هنّ _ خاص
لم يكن طريق الأمومة سهلًا على زينة العبيدانية، لكنها لم تتراجع أمام التحديات، بل اعتبرتها وقودًا لدفع ابنتها مريم إلى التألق والتميز. فحين اختارها الله أن تكون أمًا لطفلة من فئة متلازمة داون، لم تر ذلك كعائق، بل كرسالة سامية احتضنتها بقلب مليء بالإيمان والصبر.
مريم اليوم بطلة لاعبة قائدة في الأولمبياد الخاص العماني، وإليكم حكايتها.
رحلة الاكتشاف والتمكين
منذ طفولتها، أظهرت مريم عبد الحميد محمد السعيدي شغفًا غير عادي بالحياة. لم يكن مجرد شغف، بل كان رغبة قوية في إثبات الذات وتحقيق الإنجازات. كانت هوايتها في السباحة مجرد بداية، لكنها سرعان ما تحولت إلى تحدٍّ حقيقي عندما التحقت بمراكز التدريب، حيث تعلمت القفز في المياه بثقة، وكسرت حاجز الخوف بروح التحدي. وبفضل التدريب المكثف، وقفت شامخة في بطولة السباحة بألمانيا، لتحصد الميدالية الفضية بعد منافسة عالمية شرسة.
أم تقود ابنتها نحو القمة
في ظل مسؤولياتها كأم لأربعة أبناء، عملت زينة بجد لموازنة دورها بين العمل والأسرة، وبين تحديات الحياة ومتطلبات مريم الخاصة. لم يكن الأمر سهلًا، خاصة مع القوانين الصارمة في بيئة العمل، لكن دعم مديريها وإيمانها العميق بقدرة ابنتها على النجاح ساعدها على الاستمرار.

إنجازات لا تُنسى
لم تكن السباحة الإنجاز الوحيد لمريم، فقد أبدعت في مجالات أخرى، حيث حصلت على المركز الأول في حفظ القرآن الكريم، وهي لاعبة قائدة في الاولمبياد الخاص العماني الذي شاركت من خلاله في مؤتمرات عالمية مثل بطولة السباحة في ألمانيا ومؤتمر الشباب القادة في مصر ومؤتمر المدارس الموحدة. لم تكن هذه المشاركات مجرد فعاليات، بل كانت فرصًا ثمينة لاكتساب الخبرات وتبادل الأفكار، مما عزز من ثقتها بنفسها وقدراتها القيادية.
تقول مريم: لطالما كانت السباحة شغفي منذ الصغر، لكن البداية لم تكن سهلة، فقد واجهت الخوف من القفز في الماء، لكنني لم أستسلم. بتشجيع من مدربي وعائلتي، واصلت التدريب حتى تمكنت من تحقيق حلمي والفوز بالميدالية الفضية في بطولة السباحة بألمانيا، بعد ستة أشهر من التدريبات اليومية. كان شعور الفوز لا يوصف، فقد رفعت اسم بلدي وشعرت بالفخر بنفسي. ولم تتوقف مسيرتي هنا، فقد كنت محظوظة بالمشاركة في مؤتمر الشباب القادة في مصر، حيث التقيت بلاعبين قادة من مختلف الدول وتبادلنا الأفكار حول تطوير الأولمبياد الخاص. إلى جانب الرياضة، أحب القراءة والإلقاء، وأحرص دائمًا على المشاركة في المناسبات الوطنية. طموحي لا حدود له، أسعى لتحقيق المزيد من الإنجازات الرياضية، وأتدرب حاليًا في مدرستي التي لطالما وقفت بجانبي ووجهتني لتحقيق حلمي المهني. أؤمن بأن ذوي متلازمة داون قادرون على تحقيق الكثير إذا حصلوا على الدعم والفرص المناسبة، وأنا فخورة بكوني جزءًا من هذه الرحلة.

سر النجاح: الحب والدعم
لم يكن دعم زينة لمريم محصورًا في توفير بيئة محفزة فقط، بل كان في ترسيخ الثقة بنفسها. تقول زينة: “أكبر تحدٍّ واجهته في رحلة تربية مريم ودعمها كان النظرة المجتمعية السائدة التي تشكك في قدرة الأطفال من ذوي متلازمة داون على التعلم والإنجاز. لكنني آمنت بقدراتها منذ اللحظة الأولى، وتوكلت على الله، وسعيت بكل طاقتي لأوفر لها البيئة الداعمة التي تستحقها. باليقين والصبر والتشجيع المستمر، أثبتت مريم – ليس لي فقط، بل للجميع – أنها قادرة على التعلم، والعمل، والتفوق، وتحقيق إنجازات استثنائية نفتخر بها جميعًا.
تضيف: “كان عليّ أن أكون صلبة، لا أنحني أمام الظروف، لأن قوتي ستنعكس على ابنتي.”


رسالة لكل أم
اليوم، تنظر زينة إلى مريم بفخر، فقد أثمرت سنوات الكفاح والجهد عن فتاة واثقة، طموحة، ورمز للإلهام. توجه رسالة لكل أم لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة: “رحلتك مع طفلك المميز قد تكون مليئة بالتحديات، لكنها أيضًا رحلة حب وصبر وانتصار. كوني قوية، وامنحي طفلك الثقة والدعم، فكل إنجاز صغير هو خطوة نحو مستقبل مشرق.”
قصة زينة ومريم ليست مجرد حكاية أم وابنتها، بل درس في الإصرار والتحدي، وشهادة على أن الحب والدعم قادران على صناعة الأبطال.


