هنّ _ خاص
بين أحضان الجبال العمانية، حيث تشهد الصخور على صبر الأجيال، وُلدت قصة ملهمة لبطلة ركض جبلي وصحراوي عُمانية. إنها سعاد النصيبية، العداءة التي حوّلت عشقها للطبيعة إلى سلسلة من الإنجازات الوطنية والدولية.
الجبال تنتظر دائمًا من يتحداها، وسعاد النصيبية هي من فهمت نداءها. إليكم قصتها:
من الجبل إلى العالم
نشأت سعاد في بيئة جبلية جعلت التحدي جزءًا من حياتها اليومية. كان منزلها الوحيد يقع في قلب الجبال الصخرية الشاهقة في وادي السحتن بولاية الرستاق، بعيدًا عن أقرب قرية، تحيط به الطبيعة الصامتة وتملؤه قصص القوة والصبر. بين رعي الأغنام، التي كانت صحبتها الحقيقية، وتسلق النخيل لإنجاز الأعمال الزراعية كـ”التسجير والتحدير والجداد”، ترعرعت سعاد على الصمود في وجه الصعاب وتذوق متعة الإنجاز. تقول سعاد: “البيئة التي عشت فيها كانت مصدر إلهامي الأول، فهي علمتني مواجهة التحديات دون تردد.”
في عام 2021، دفعها حب المغامرة والرغبة في التجربة إلى خوض أول سباق جبلي في حياتها، رغم أنه كان لمسافة 50 كيلومترًا وعلى ارتفاعات شاهقة. ورغم أنها لم تخضع لأي تدريب مسبق ولم تختبر مسار السباق من قبل، تمكنت من اجتياز التحدي بنجاح وحصدت المركز الأول في فئة النساء. هذا الإنجاز لم يكن مجرد لحظة فخر، بل تجسيدًا لسنوات من الجهد الذي استمدته من حياة اعتادت فيها على التنقل بين المسارات الجبلية، والعمل الشاق الذي زرع في داخلها إرادة لا تقهر.
تصف سعاد تلك اللحظة بقولها: “كل خطوة في السباق كانت تذكرني بالمسارات الوعرة التي مشيتها في طفولتي، حين كنت أقضي العطلات الأسبوعية والإجازات الصيفية في رعي الأغنام بين الجبال. لقد كانت الجبال مدرستي الأولى، ومنها انطلقت إلى العالم”.
بطلة دولية بإنجازات لا تُنسى
لم تقتصر إنجازات سعاد على السباقات المحلية، بل تعدّتها إلى العالمية. شاركت في سباقات UTMB الدولية الشهيرة، حيث خاضت تحديات مهيبة في سباق نيس بفرنسا لمسافة 61 كيلومترًا على ارتفاع 3000 متر، وسباق فيربير في سويسرا لمسافة 42 كيلومترًا، وسباق فالدران بإسبانيا لمسافة 55 كيلومترًا على ارتفاعات شاهقة.
كما تألقت في سباقات محلية بارزة، حيث حصلت على المركز الأول في سباقات مثل همم لمسافة 50 و70 كيلومترًا، وماراثون عُمان الصحراوي لمسافتي 21 و42 كيلومترًا، وسباق OXY لمسافة 10 كيلومترات.
الاستعدادات: عمل لا يعرف التوقف
تأخذ سعاد الاستعداد لسباقاتها بجدية كبيرة. تقول: “أبدأ التحضير قبل موسم السباقات بأشهر طويلة. يتضمن ذلك جدولًا تدريبيًا يوميًا يتناسب مع المسافات والطبيعة الجغرافية لكل سباق، معسكرات تدريبية في مناطق جبلية كالجبل الأخضر، وجدولًا متكاملًا للتغذية والاستشفاء النفسي والبدني.”
وتضيف: “رفع معدل الطموحات والتذكير المستمر بالإنجازات السابقة هما ما يساعدانني نفسيًا على مواجهة أي سباق.”
فيلم “مسافات طويلة”: توثيق رحلة التحدي
ألهمت قصة سعاد المخرجين العُمانيين علي البيماني وحمد القصابي لإنتاج فيلم وثائقي بعنوان “مسافات طويلة”. يروي الفيلم رحلة صعود سعاد من قريتها الجبلية إلى منصات التتويج العالمية، مع التركيز على البيئة الجبلية التي شكلت شخصيتها.
الفيلم الذي أنتجته شركة “خط للأفلام” يُسلط الضوء على الجمال الطبيعي لعُمان، بما في ذلك أماكن التدريب مثل الجبل الأخضر. حصل الفيلم على جائزة النخلة الذهبية في مهرجان أفلام السعودية، وتم عرضه على منصة “عين” التابعة لوزارة الإعلام، ليصل إلى جماهير دولية بفضل ترجمته إلى الإنجليزية.
التحديات والدعم
رغم الإنجازات، لم تكن الرحلة خالية من الصعوبات. تقول سعاد: “من أصعب التحديات التي واجهتها كانت تدهور حالتي الصحية أثناء سباق بعد أشهر من الاستعداد. كما نعاني من قلة الدعم والاهتمام من الجهات المعنية، مما يجعل تغطية التكاليف تحديًا كبيرًا.”
ورغم ذلك، كانت عائلتها وأصدقاؤها مصدر الدعم الأكبر. تضيف سعاد: “ما يشجعني على الاستمرارية هو دعم من حولي ومعنوياتي العالية بأن القادم أفضل.”
رسالة وأحلام للمستقبل
تطمح سعاد لأن ترى مزيدًا من الاهتمام بالرياضة الجبلية والصحراوية في عُمان، بما في ذلك زيادة الجوائز وتخصيص تتويج خاص للعُمانيين. تقول: “الرياضة ليست مجرد منافسة، بل هي أسلوب حياة. أدعو النساء لتبني أي رياضة تناسبهن، لأن الحركة أساس الصحة والثقة بالنفس.”
ومع استمرارها في التدريب، تستعد سعاد لسباقاتها القادمة، متطلعةً إلى المزيد من الإنجازات التي تجعلها أيقونة رياضية تمثل عُمان بكل فخر.
“الجبال لا تقبل إلا الأقوياء، وسعاد النصيبية أثبتت أنها من النخبة التي تعشق التحدي.”