هنّ _ خاص
مرتضى بن عبد الخالق اللواتي، فنان تشكيلي عماني، يتميز بموهبته الفريدة في توثيق التراث العماني من خلال لوحاته الفنية التي تجمع بين الحبر الصيني والأكريليك. في معرضه “كادوك”، الذي أسماه تيمنًا بشخصية خيالية، يبرز اللواتي المرأة العمانية بكل تفاصيلها الجمالية، مستلهماً من تراثها الغني وحليها التقليدية. عبر هذا الحوار، نستكشف أسلوبه الفريد في تسليط الضوء على التراث العماني والمرأة العمانية، وكيف يسهم في الحفاظ على هذا التراث ونقله للأجيال القادمة.
ما الذي دفعك لاختيار الرسم بالحبر الصيني كوسيلتك الرئيسية حدثنا عن مميزاته؟
ما دفعني لاختيار الحبر الصيني كوسيلة رئيسية للرسم هو عاملان رئيسيان. أولًا، لأنه يركز على الرسم باستخدام الخطوط بدلاً من التلوين، وهو أسلوب فني فريد وله محبون وممارسون في جميع أنحاء العالم، ويستخدم بشكل واسع في صناعة النقود الورقية. ثانيًا، سهولة استخدامه لمن يتقن هذه التقنية، حيث لا يتطلب مواد إضافية كثيرة، مما يجعله وسيلة عملية وفعالة للرسم.
هل يمكنك أن تحدثنا عن الأساليب والتقنيات التي تستخدمها في رسم لوحاتك الصغيرة؟ وكيف تضمن إبراز التفاصيل الدقيقة؟
عند رسم اللوحات الصغيرة، أحرص على اتباع نفس الأساليب والتقنيات التي أستخدمها في اللوحات الكبيرة. رغم صغر حجمها، إلا أن جمال اللوحات الصغيرة يكمن في تفاصيلها الدقيقة وتكامل عناصرها الفنية. يبدأ العمل باختيار الموضوع المناسب وضبط توازن عناصره الفنية، ثم الانتقال إلى تنفيذ اللوحة بعناية ودقة.
أستخدم الحبر الصيني أو “الشيني” كأداة رئيسية للرسم، والذي يتميز بجفافه السريع وعدم اختلاطه بالماء، مما يسمح لي بإضافة الألوان المائية لاحقًا للحصول على أفضل نتيجة ممكنة. أما بالنسبة لإبراز التفاصيل الدقيقة، فهذا يعتمد بشكل كبير على مهارة الفنان ودقته. سواء كانت اللوحة تنفذ بالزيت أو باستخدام الفرشاة، فإن الخبرة في الرسم والتلوين تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق الدقة والإتقان في النتيجة النهائية.
ما هي المساحة التي تحتلها المرأة العمانية في أعمالك، حدثنا عن شكلها في لوحاتك
المرأة العمانية تحتل مساحة كبيرة ومهمة في أعمالي الفنية، فهي بالنسبة لي رمز للجمال والإبداع. الألوان التي أستخدمها مستوحاة من التراث العماني، وهي غنية ومتنوعة، تعكس التنوع الثقافي والحضاري في عمان. كما أن المرأة العمانية تلهمني بتفاصيلها الدقيقة، سواء من خلال اختيارها للحلي ذات الأشكال الهندسية الجميلة، أو من خلال الأزياء التي تعبر عن هويتها وثقافتها.
المرأة العمانية تتميز بذوقها الرفيع وقدرتها على اختيار ما يتناسب مع موروثها، وهذا يظهر بوضوح في تصاميم الحلي التي اختارتها عبر القرون. إبداعاتها وأساليبها في الزينة واللباس أسهمت بشكل كبير في إثراء التراث العماني، وأضفت عليه بعدًا فنيًا وجماليًا فريدًا. في لوحاتي، أسعى لتجسيد هذه الجوانب وإبراز جمال المرأة العمانية، فهي ليست فقط موضوعًا للفن، بل هي أيضًا مصدر إلهام لا ينضب.
ماذا عن توثيقك للحلي العمانية؟
توثيق الحلي العمانية هو جزء مهم من أعمالي، وهو يأتي من قناعتي بأهمية الحفاظ على هذا التراث العريق. فالحلي العمانية تتميز بتفاصيلها الدقيقة وتصاميمها الفريدة، ولكنها قد تواجه خطر الاندثار مع تطور العصر. لذلك، قمت بتكريس جزء من جهودي لرسم وتوثيق هذه الحلي، وتقديمها في الاستوديو الخاص بي على شكل نسخ فنية متاحة بأسعار مناسبة.
هذا التوثيق لا يهدف فقط للحفاظ على التراث، بل أيضاً لجذب اهتمام السائحين وتعريفهم بتاريخ وثقافة عمان من خلال الحلي. كما أنني أعمل حالياً على مشروع يهدف لإضافة نصوص توضيحية مع كل عمل فني، لتسرد قصة الحلي وتفاصيلها، مما يعمق من فهم المتلقي للعمل الفني ويزيد من قيمة الحلي التاريخية والفنية. وكما هو الحال مع الأعمال الفنية الصغيرة الأخرى، فإنني أستخدم نفس التقنيات الدقيقة في توثيق الحلي، لضمان إبراز جمالها بأفضل صورة ممكنة.
تتميز أعمالك بحجمها الصغير نسبيا .. حدثنا عن مميزات ذلك
أعمالي تتميز بحجمها الصغير نسبياً، وهذا يمنحها العديد من المميزات. فعلى عكس ما قد يعتقد البعض، اللوحات الصغيرة تتمتع بجاذبية خاصة في العرض، حيث يمكن وضعها بسهولة في المكاتب والصالات وغيرها من المساحات الصغيرة، مما يجعلها مثالية للأماكن ذات المساحات المحدودة.
كما أن الأعمال الصغيرة غالباً ما تحظى باهتمام كبير لأنها تتطلب دقة في التفاصيل وتركيزاً على عناصر التصميم الأساسية، وهذا يجذب الأنظار ويثير إعجاب المتلقين. بالإضافة إلى ذلك، يسمح الحجم الصغير بتسهيل نقل الأعمال وعرضها في معارض مختلفة. في النهاية، كل فنان يمتلك مجموعة متنوعة من الأعمال تتراوح بين الصغيرة والكبيرة، وكل حجم منها له جماله وخصائصه الفريدة التي تجعله مميزاً بطريقته الخاصة.
كيف تستلهم عناصر التراث العماني في أعمالك؟ هل تعتمد على قصص معينة أو رموز تراثية محددة؟
في أعمالي الفنية، أستلهم عناصر التراث العماني من البيئة المحيطة بي ومن التاريخ العريق لعمان. كل فنان يتأثر بما يحيط به، سواء كان ذلك من الطبيعة أو من التراث الثقافي، أو حتى من القضايا التي يهتم بها. بالنسبة لي، أجد في الطبيعة العمانية والموروث الثقافي مصدر إلهام كبير، وأشعر بمسؤولية خاصة تجاه توثيقها وإبراز جمالها.
الطبيعة والتراث العماني يحتويان على تنوع كبير من العناصر الفنية والبصرية، مما يجعل من السهل للفنان أن يجد فيها موضوعات غنية ومُلهمة لأعماله. كل لوحة أعمل عليها تمثل قصة، وكل عمل فني يعتبر ملحمة بحد ذاته. من خلال تجسيد التراث أو موضوعات معينة، يصبح الفنان جزءًا لا يتجزأ من عمله، ويعكس في كل ضربة فرشاة أو تفاصيل دقيقة قصصًا وأحداثًا غنية بالمعاني.
ما هو العمل الذي تعتبره خاصا وله مكانة مميزة لديك؟
كل أعمالي لها مكانة خاصة بالنسبة لي، لأنها تمثل نتاج الجهد والدراسة والتعلم المستمر، ولا أعتقد أن هناك عملًا أفضل من الآخر بشكل مطلق. ولكن هناك بعض الأعمال التي تتطلب جهدًا أكبر في التفكير والتخطيط والتنفيذ، وهذا يمنحها مكانة مميزة.
أحد هذه الأعمال هو لوحة تجريدية كبيرة الحجم، بطول 3 أمتار، تحمل عنوان “الفيزياء”. هذا العمل يختلف عن باقي أعمالي لأنه يحتوي على أسرار ومعانٍ مرتبطة بعلوم الفيزياء، مما يجعله مميزًا بالنسبة لي. العمل على هذه اللوحة كان تجربة فريدة من نوعها، حيث تطلب مني الكثير من التفكير العميق والتأمل في كيفية دمج المفاهيم العلمية مع الفن التجريدي.
خضت مراحل مهمة في مسيرتك كإدارتك لعدة معارض فنية .. ما هي الخطوة التالية وهل هناك مواضيع جديدة ترغب في استكشافها في أعمالك القادمة؟
لقد مررت بتجارب مهمة في مسيرتي، من بينها إدارة العديد من المعارض الفنية، والتي أعتبرها جزءًا أساسيًا من تطور مساري الفني. أرى أن المعارض الفنية تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز التفكير الفني لدى كل من الفنانين والجمهور، وهي أداة فعالة لتشجيع المجتمع على الاهتمام بالفنون البصرية ودعمها.
بالنسبة للخطوة التالية، فأنا أعمل حاليًا على مشروع جديد يهدف إلى توثيق الرقصات العمانية التقليدية من خلال سلسلة من اللوحات الفنية. أهدف من خلال هذا المشروع إلى تقديم التراث العماني بشكل بصري يعكس جماليته وتفاصيله الثقافية. من المقرر عرض هذه المجموعة في بريطانيا، مما يتيح للجمهور العالمي فرصة للتعرف على جوانب غنية من الثقافة العمانية.
لماذا اخترت تسمية معرضك بـ”كادوك”؟ وما القصة وراء هذا الاسم؟
اخترت تسمية معرضي “كادوك” لأن هذه الشخصية الخيالية من نسيج أفكاري تمثل راويًا للأحداث، وهي مستوحاة من تقاليد رواة القصص الذين كانوا متواجدين في مدينة مطرح. أردت من خلال هذه الشخصية أن أعبر عن دوري كفنان ينقل صورًا من الحياة العمانية، ويبرز جوانبها المختلفة بطريقة فنية. “كادوك” بالنسبة لي هو الراوي الذي يجلب قصصًا وصورًا من التراث العماني إلى الجمهور، تمامًا كما تفعل أعمالي الفنية التي تحكي قصصًا بصرية.
كيف ترى دور الفن التشكيلي في الحفاظ على التراث العماني ونقله للأجيال القادمة؟
يُعتبر الفن التشكيلي أحد الأدوات الأساسية للحفاظ على التراث العماني ونقله للأجيال القادمة، لكنه ما زال يحتاج إلى مزيد من التقدير على الساحة العالمية. على الرغم من أن سلطنة عمان قد وضعت أسساً قوية للفن التشكيلي منذ فترة طويلة، إلا أن هناك فجوة في تعزيزه عالميًا. من الضروري أن نركز على دعم الجيل الجديد من الفنانين وإبرازهم بطرق أفضل. لا يوجد رواد فنيون وحيدون، بل هناك العديد من الفنانين الذين يستحقون الاهتمام والدعم. الفنون البصرية هي عالم واسع مليء بالإبداع، ويجب علينا المضي قدمًا في تطويرها والترويج لها باستمرار.
الانستغرام: kadokmuscat
