هنّ _ خاص
سارة المخينية، فنانة ومصممة عُمانية متخصصة في علم تصميم الهوية، تحمل في أعمالها روح عمان وهويتها البصرية. حائزة على عدة جوائز، خبرتها تمتد من المشاريع الوطنية إلى الفعاليات الدولية، حيث تترجم التراث العُماني والأصالة العربية إلى تصميمات مبتكرة تجمع بين الحداثة والهوية. سارة ليست مجرد مصممة، بل محاضرة ومُحكِّمة تشارك جمهورها شغفها بالفن والتصميم، مؤمنة أن الإبداع رسالة تعكس انتماء الفرد لوطنه وتاريخ مجتمعه.
سارة، كيف تقدمين نفسكِ لجمهور قد يسمع عنكِ لأول مرة؟
أجد من الصعب أن أقدّم نفسي للجمهور، لأنني أؤمن بأن الجمهور هو الأجمل في تقديمي والتعريف بي. لكن إن كان لا بد من ذلك، فأنا ببساطة عاشقة للأفكار الجديدة، وأمتلك الشجاعة والطاقة الإيجابية لطرحها في مجال التصميم والفن. كثيرون قالوا إنني كنت سببًا في إحداث تغيير في بعض المسارات الفنية، ولي مشاركات وطنية عُرضت في المتاحف وخلدت في التاريخ.
في بدايات مشواري كنت أقول للآخرين إنني أقتدي بهم، واليوم يقول لي الجمهور إنهم يقتدون بي. هذه مسؤولية عظيمة أحملها معي أينما كنت وأسعى للحفاظ عليها. ومن أقرب الإنجازات إلى قلبي إبراز ألوان العمامة السعيدية كهوية وطنية، لما كان لها من أثر جميل في أعمالنا الوطنية على مستوى عُماننا الحبيبة.
ورغم كل ما تحقق، ما زلت أرى نفسي في بداية الطريق، وأؤمن أن الطموح والازدهار في النجاح متاح لكل من يحمل الشغف والإخلاص لتحقيق أحلامه. مررت بالكثير من التحديات التي صقلت شخصيتي، وما زلت أتعلم، فالعلم رحلة لا تنتهي.

ما الذي جذبكِ لعالم تصميم الهوية البصرية والعلامات التجارية؟
أعتقد أن ما جذبني في البداية هو شغفي بتحليل الأفكار وتحويلها إلى صور ورموز بصرية ملفتة. ومع مرور الوقت أدركت أن قوة تصميم الهوية البصرية لا تكمن فقط في اختيار ألوان جميلة أو أشكال معبّرة كما يظن الكثير، بل في قدرتها على ترجمة معانٍ عميقة ورسائل واضحة تصل إلى الجمهور وتبقى معه لفترة طويلة.
تصميم الهوية بالنسبة لي هو بناء عهد بصري ورسالة قوية تُلهم الجمهور وتكسب ولاءه. التناغم الذي يصنعه المصمم بين العناصر البصرية هو ما يمنح العلامة التجارية قوتها واستمراريتها.
فالهوية البصرية الناجحة ليست مجرد مظهر، بل وسيلة تواصل معنوي تلامس مشاعر الناس وتعزز قيمة المؤسسة أو المنتج. وهي في جوهرها تبادل للفكر والمعرفة والقيم بين المصمم والجمهور، وهذا ما يجعل نجاح العديد من الهويات البصرية في مجتمعنا والعالم العربي انعكاسًا لهذا التفاعل الإبداعي العميق.


كيف يختلف تصميم الهويات الوطنية عن تصميم العلامات التجارية؟
رغم تجاربي المتعددة في مجال تصميم الهوية، إلا أن اسمي ارتبط كثيراً بالهويات الوطنية، وذلك لخصوصيتها وارتباطها الوثيق بالمشاعر. فأسمى المشاعر هي تلك التي نعبّر من خلالها عن حبنا للوطن وولائنا له، وتجسيد روح الانتماء في تصميم بصري يُخلّد هذه القيم هو من أجمل ما يمكن أن يقدمه المصمم.
الفرق بين الهوية الوطنية والهوية التجارية واضح؛ فالهوية التجارية تقوم أساساً على إرضاء العميل وبناء علاقة وجدانية بين المستهلك والمنتج أو الخدمة. نجاحها يعتمد على استمرار هذه العلاقة، وقد تتأثر أو تتغير إذا اختلّ أحد عناصرها.
أما الهوية الوطنية فهي أعمق وأكثر رسوخاً؛ فهي انعكاس لمشاعر متوارثة عبر الأجيال، تعبّر عن حب الوطن، والولاء للقيادة، وروح الترابط بين أبناء المجتمع. هذه الهوية لا تقتصر على التصميم أو الجانب البصري فقط، بل تتجسد أيضاً في القيم والصفات الأصيلة للشعوب.
والهوية العُمانية مثال واضح على ذلك؛ فهي معروفة عالمياً بكرم أهلها وسماحتهم وتكاتفهم، إضافةً إلى تاريخ عريق وحضارة ممتدة عبر القرون، وهو ما يجعل الهوية الوطنية ثابتة وراسخة، تحمل معاني أصيلة تتجاوز الزمن.

بصفتكِ استشارية فنية لمشاريع وطنية، ما أبرز مشروع ترك بصمة لديكِ؟
تجربتي في هذا المجال أخذتني من محطة إلى أخرى، وفي كل محطة أتعلم الكثير. وخلال السنوات الماضية، تشرفت بتقديم الاستشارات لأكثر من ثمانية مشاريع وطنية، بدافع شغفي الكبير بهذا المجال ورغبتي في الإسهام فيه بكل إخلاص.
أفتخر بمشاريع الشباب العُمانيين الذين يضيفون الكثير من الرقي والمعرفة لعُمان محليًا ودوليًا، ولكل مشروع وطني بصمته الخاصة؛ فبعضها عكس أصالة العُمانيين وقوة شخصيتهم في مختلف الظروف، بينما أبرزت أخرى جمال الطابع الفني والمعماري العُماني، وهو ما يمنح أعمالنا حضورًا متفردًا على مستوى المشاركات الدولية.
أما أبرز التحديات التي ألاحظها فهي تردد بعض المصممين في استخدام الرموز التقليدية خوفًا من التكرار، ما يدفعهم إلى الاعتماد المفرط على التجريد. وبرأيي، الرموز التجريدية قد تكون مناسبة للهوية التجارية، لكنها غالبًا ما تفتقد للروح الوطنية التي تلامس مشاعر المجتمع.
التصميم هو علم متجدد يواكب الحداثة، لكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب عراقة تاريخنا وأصالة تراثنا. بل ينبغي أن نستلهم من كنوزنا التاريخية والمعنوية، ونعبر عنها بأسلوب مبتكر ومعاصر يخلّدها في الذاكرة. فالبساطة حين تقترن بعناصر معبّرة وصادقة، كفيلة بأن تصل إلى مشاعر المجتمع وتعزز الانتماء، ولا تزال عُمان تحمل الكثير من الرموز التي لم يُعبر عنها بعد في هوياتنا الوطنية.

كيف كانت تجربتكِ كمُحكِّمة فنية في المسابقات؟ وما المعايير التي تبحثين عنها في الأعمال الفائزة؟
التحكيم عالم جميل، فهو مساحة لتبادل المعرفة بين المحكّمين والمشاركين، وفي الوقت نفسه أمانة كبيرة في تقييم الأعمال، لأن الهدف في النهاية واحد: تعزيز وصول المشاركين لأفضل النتائج.
معايير التحكيم تختلف من مسابقة إلى أخرى بحسب الجهة المنظمة، وتُبنى بما يتناسب مع طبيعة المشاركات. كانت تجربتي الأولى عام 2016 في تحكيم تصاميم عدة شركات لتطوير هوية تغليف منتجات غذائية محلية، حيث ركّزت المعايير على مدى قدرة التصميم على جذب المستهلك، وقابليته للتسويق، وتأثيره المباشر على المبيعات، خاصة أن تغيير هوية المنتج قد ينعكس سلبًا أو إيجابًا على نجاح المؤسسة.
أما آخر تجربة لي في التحكيم فكانت في مسابقة جمعت بين علم النفس والفن، حيث تمحورت المعايير حول مدى ارتباط العمل الفني بالحالة النفسية، وكيفية تفاعل الجمهور معه، وهل وصلت الرسالة إليهم بعمق وجاذبية. ذلك الأثر النفسي الذي يتركه الفن يُعد من أسمى رسائله، وهو ما يفسر وجود متاحف ومعارض عديدة حول العالم نشأت نتيجة تجارب إنسانية مرتبطة بالحروب أو الأمراض أو الأزمات الاقتصادية.
فالفن في جوهره رسالة إنسانية، يلتف حولها الجميع، وينعكس أثرها على مشاعر المتلقين، وهذا ما يجعل جمهور الفن واسعًا ومتنوعًا.

أنتِ أيضًا محاضِرة في الوطن العربي… ما أكثر فكرة أو رسالة تحرصين على إيصالها لجمهوركِ؟
بداياتي في تقديم الورش والمحاضرات كانت بسيطة، لكني فوجئت بجمهور متعطش للتعلم وامتلاك شغف حقيقي بالمعرفة، وهذا بحد ذاته كان دافعاً كبيراً لي. فأنا أؤمن أن الجمهور المحب للمجال هو أحد أعمدة الدعم المعنوي لأي مُحاضر.
مشواري بدأ في مسقط، ثم توسّع إلى الكليات والجامعات، وبعدها إلى الندوات والمنصات العربية التي تستضيف محاضرات عن بُعد. قدمت محاضرات في السعودية والكويت، وفي البحرين كانت لي تجربة مميزة بالحضور المباشر في جامعة البحرين ضمن ملتقى “طبقات” للتصميم والفن. كما شاركت في كتب عربية وحضرت مؤتمرات في قطر وهولندا.
أما الرسالة الأبرز التي أحرص على إيصالها دائماً، فهي الاعتزاز بالهوية: الهوية العربية والإسلامية والوطنية. فالاعتزاز بالهوية هو أجمل انعكاس للذات، وللأرض والوطن، وهو ما نحب أن يتعرف عليه الآخرون ويتعلموه منا. أحب أن أقدّم هذه الرسالة دائماً بأسلوب قصصي مشوّق، يقرّب الفكرة ويمزج بين الفائدة والعبرة.

حصلتِ على جوائز وشاركتِ في فعاليات دولية… ما الإنجاز الدولي الذي تعتزّين به أكثر؟
كل إنجاز في حياتنا يحمل ذكرى خاصة، وكل تكريم أو فوز بجائزة يذكرني ببداياتي البسيطة. فالإنسان لا يُكرم إلا بعد أن يخطو خطوات البداية، وكل خطوة هي جزء من مشوار النجاح. لحظة النجاح، تصفيق الجمهور، واعتزاز الأهل والأصدقاء بك، تمثل اعتزازهم برحلتك وكيف وصلت إلى ما أنت عليه بعد مواجهة التحديات والعثرات، وكيف تعلمت الصبر والمثابرة لتحقيق أهدافك.
يعلم الكثيرون أن الجمهور لا يرى كواليس العمل، بل يرى المنتج النهائي فقط، لكن الكواليس تحمل قيمتها الخاصة لنا ولمن هم مقربون منا، فهي لحظات الاحتفاء بالجهد والصبر.
تحمل ذاكرتي العديد من المشاركات التي لكل منها ذكرى مميزة، إلا أنني أعتز بشكل خاص بمشاركتي الأخيرة، حين تلقيت دعوة من وزارة الثقافة والرياضة والشباب للمشاركة في متحف أوساكا للفن المعاصر في اليابان. أُقيمت هناك أمسية فنية تحتفي بالثقافة والفن المتبادل بين سلطنة عُمان واليابان، وأسعدني أن أكون من بين الفنانين الذين عبّروا عن الثقافة العُمانية بألوان الفن الرقمي الزاهية. وقد كانت هذه الفعالية تحت رعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد، وزير الثقافة والرياضة والشباب، ورئيس اللجنة الرئيسية لمشاركة سلطنة عُمان في “إكسبو 2025” في أوساكا، ضمن فعاليات الجناح العُماني في المعرض.

كيف ترين دور الفن والتصميم في تعزيز الهوية الوطنية وإبرازها عالميًا؟
يلعب الفن دورًا ثمينًا في التعبير عن الهوية الوطنية، فالكثير من المعارض الدولية التي يشارك فيها فنانون باسم سلطنة عُمان تعكس قيم الأصالة والتراث، وتبرز الملامح العُمانية والعربية. وتسعى الدول من خلال هذه الفعاليات للتعرف على ثقافات الشعوب عبر فنونها، تقاليدها، وحرفها اليدوية.
بمختلف الأعمار والفنون، يعكس الفنانون رسالتهم الوطنية بأساليب متنوعة، مثل المنحوتات، الجداريات، والعزف على الموسيقى الوطنية، بما يتناسب مع روح العمل الفني. كما نجد بعض الفنانين يستخدمون الخط العربي لتزيين لوحاتهم، بينما يعتمد آخرون على ضربات لونية فريدة تعكس رؤيتهم الشخصية. هذه النماذج المختلفة تؤكد جمالية الفن وأهميته في التعبير وترجمة الهوية الوطنية إلى لغة عالمية مفهومة وجاذبة.
ما المشاريع أو الأعمال التي تعملين عليها حاليًا؟ وما رؤيتكِ للمستقبل؟
رؤيتي للمستقبل دائمًا إيجابية، وأرى أن الفن المعاصر بدأ ينتشر بشكل ملحوظ في سلطنة عُمان، مع حفاظ الفنانين على حبهم للفن التقليدي إلى جانب المعاصر. المجتمع يحرص على حضور المعارض الفنية بمختلف أنواعها، والشباب والفنانون العمانيون مبدعون ويعتزون كثيرًا بالتعبير عن هويتهم الفنية والثقافية.
حاليًا، أكمل دراسة الماجستير في تخصص Visual Communication، وأعمل على مشروعين مميزين في مجال التصميم؛ أحدهما لتصميم الهويات البصرية، والآخر لتصميم الشخصيات الكرتونية. لكل مشروع مساره وجمهوره الخاص، وأعتز بهما كثيرًا. أما بالنسبة للمستقبل، فأنا متفائلة ومتحمسة لمواصلة التعبير عن شغفي بالفن والتصميم ولحبّي العميق لعُماننا الحبيبة.

ما النصيحة التي تقدمينها للمصممين الشباب الذين يطمحون للعمل على مشاريع وطنية أو دولية؟
لا أجد حدودًا للفخر بالشباب العماني، فكل نجاح لأي مشروع وطني هو نجاحنا وفخرنا جميعًا. المشاريع العمانية حققت مستويات عالية من الإقبال والإعجاب والاستثمار والنجاح، ولا يسعني حصرها أو تعدادها.
أعتقد أننا، سواء كنا أصحاب مشاريع صغيرة أو متوسطة أو حتى كبيرة، جميعًا جديرون بأن ندعم بعضنا البعض ونعمل على تحسين جودة أعمالنا. خبراتنا المبكرة والتحديات التي واجهناها علمتنا الكثير، وأهم نصيحة أستطيع تقديمها هي الاستمرار في صناعة ما نحب، لأن النجاح الحقيقي هو أن تصنع ما تحب.
وإذا واجهت أي عقبة، خذ لحظة لتستجمع أفكارك، ثم عد إلى الساحة بطاقة متجددة وأفكار مبتكرة، لتحقيق نجاح مبهر يليق بشغفك وطموحك.
لمتابعة سارة في الانستغرام: sara_almukhaini