spot_img
المزيد

    لماذا تختفي الكثير من الأمهات خلف الكواليس؟

    spot_img

    بقلم رزان الكيلاني

    في زحمة التقدير الموسمي للأمهات، كثيراً ما تُروى قصص التضحية من باب المديح، دون أن نُصغي بعمق إلى ثمن هذه التضحيات. خلف كل بطاقة وردية وكلمات الشكر، هناك أمهات كثيرات تركن وظائفهن، وأوقفن أحلامهن، واخترن أن يبقين وحدهن في البيت، حاضنات لأسرة كاملة، في حين يغيب الزوج إما بسبب العمل في الخارج أو كثرة السفر أو لأسباب أخرى باتت أكثر من شائعة. هؤلاء الأمهات قد تبدو حياتهن مستقرة من الخارج، ولكن الحقيقة النفسية والوجدانية مختلفة تماماً.

    العبء غير المرئي وتوقعات النوع الاجتماعي

    تتحمل الأم ما يُعرف بـ”العبء غير المرئي”، ذلك العمل العقلي والعاطفي الذي لا يُرى، ولا يُثمَّن، رغم كونه جوهرياً في استقرار الأسرة كافة. فهي من تتذكر المواعيد العائلية المهمة، واحتياجات المدرسة، وتقلبات مزاج الأطفال، وهي من تتحمل الضغوط اليومية دون تواجد الشريك ليساندها يوميًا في صراعاتها وتحدياتها الجمة كزوجة ومربية وراعية لشؤون أسرتها.

    ومع مرور الوقت، تبدأ هذه المرأة في الشعور بما يُعرف بـ”الاحتراق الأمومي”، الذي غالبًا ما يكون مقنّعًا بالكفاءة التي تؤدي بها مهامها. فهي تقوم بكل شيء، ولكنها في داخلها قد تشعر بالخدر، أو الفراغ، أو حتى عدم التقدير من زوجها أو أطفالها، خصوصاً في مرحلة المراهقة. كما أن غياب التبادل العاطفي أو الشعور بأن هناك من يهتم بها – كما تهتم هي بالآخرين – قد يجعلها تشعر بأنها وحيدة عاطفياً أو مستهلكة، أو ممحوة وجدانيا من ذكرى أسرتها.

    المسؤولية المفرطة المزمنة

    في غياب الدعم المتوازن، يتداخل التميز المهني الذي تخلّت عنه الكثير من الأمهات مع دورها كأم أولاً وآخراً في حياة أطفالها، لينتج عنه نمط من المسؤولية المفرطة المزمنة. هذه المرأة غالبًا ما تطور توقعات صارمة تجاه نفسها: يجب أن تبقى قوية، يجب أن تُسيطر على كل شيء، يجب ألا تنهار. لكنها في سعيها للحفاظ على الاستقرار، قد تنفصل تدريجيًا عن احتياجاتها الداخلية، عن مشاعر الحزن على ما ضاع منها، عن رغباتها في العفوية، أو الوقت الخاص، أو حتى الحلم الشخصي.

    هي ليست ضحية، لكنها إنسانة منهكة… غير مرئية.

    الأم عمود البيت … دعوة إلى الاعتراف بقيمة ودور الأم المعنويتين، لا المجاملة

    ربما آن الأوان أن نتوقف عن تقديم الشكر العابر للأمهات في يوم الأم، ونتجه إلى الاعتراف الصادق بالتعب الذي لا يُقدر بثمن. فالصورة النمطية للزوجة التي تختار بذل جهدها في إنماء أسرتها وإدارة شؤون المنزل سلبية للغاية، حيث فقدت الأمومة غلاوتها في عيون أزواجهن وأبنائهن بعدما يكبرون. فتجد الجهد الذي بذلته قد ذهب هباء، وتجد نفسها وإذ باتت العديد من الأمهات أن ننظر إلى الأمهات اللواتي بقين وحدهن على جبهات الحياة اليومية، وأن نسأل: من يرعى من يرعى الجميع؟

    يوم الأم ليس احتفالًا سطحياً، بل دعوة لفهم أعمق، واحتواء حقيقي، ودعم عملي. إنه تذكير بأن الأمهات بحاجة إلى أن يُرى تعبهن، أن يُسمع صوتهن، وأن تُعاد إليهن مساحات من الذات فقدنها في طريق الرعاية المستمرة.

    كيف ينبغي أن تُعامل الأم من قِبل الزوج والمجتمع العربي؟

    إن إنصاف الأم لا يقتصر على كلمات الامتنان، بل يبدأ من تعامل الزوج معها كشريكة كاملة في الحياة، لها حقوقها في الراحة، والاحترام، والمساندة العملية، والعاطفية. على الزوج أن يكون واعياً بأن الأم ليست “آلة عطاء” لا تتعب، بل إنسانة لها احتياجات وجدانية ووقت خاص وأحلام يجب أن تجد طريقها إلى النور. الدعم ليس ترفاً، بل مسؤولية مشتركة، تبدأ من المشاركة الفعلية في تربية الأبناء، وتحمّل جزء من الأعباء المنزلية، مروراً بالإنصات لهمومها، وصولاً إلى تشجيعها على تطوير ذاتها وممارسة هواياتها.

    أما المجتمع العربي، فعليه أن يكسر الصورة النمطية التي تحصر قيمة المرأة في دورها كأم فقط، وأن يمنحها مساحات للإنجاز المهني والاجتماعي بالإضافة إلى الإطار الأسري، دون أحكام مسبقة أو ضغوط اجتماعية. يجب أن نزرع ثقافة الاحترام الفعلي للأمهات، لا عبر الشعارات، بل من خلال سياسات عمل مرنة، ودعم مادي ومعنوي، وتشجيع للآباء على القيام بدورهم في الرعاية، حتى تصبح الأم فرداً مرئياً ومقدّراً في قلب العائلة والمجتمع على حد سواء.

    انشر على السوشيال
    تاجز
    spot_img

    الأكثر قراءة

    العارضة “ثريا محمود”: جمال وموهبة يلفتان الأنظار

    تعد ثريا محمود من الشابات الجميلات اللواتي يقدمن محتوى مميزاً على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعمل كموديل مع خبيرات التجميل ومصممات الأزياء العمانيات.

    الفرق بين اللوس باودر والكومباكت باودر مع خبيرة التجميل ابتسام الفليتية

    تُعتبر اللوس باودر والكومباكت باودر من أهم أدوات التجميل التي تساعد على إطالة ثبات المكياج وتحسين مظهر البشرة. سنتعرف في هذا الموضوع على الفرق...

    “دي جي” حبيبة راشد.. مبدعة تشعل أجواء الحفلات  

    هنّ _ خاص حبيبة راشد امرأة عمانية متعددة المواهب والتخصصات، تعمل كمنسقة أغاني في الحفلات وبلوجر وفاشينيستا وهي أيضا ممرضة. إنها فنانة موهوبة متعددة المهارات،...
    spot_img

    المزيد

    ترك الرد

    من فضلك ادخل تعليقك
    من فضلك ادخل اسمك هنا