هنّ _ خاص
ناهد السيابي نموذج مشرق للمرأة العمانية المعاصرة، التي تجمع بين الطموح المهني والشغف بالمغامرة والريادة. تتميز بروحها القوية وإصرارها على كسر الحدود التقليدية، لتصبح مصدر إلهام للعديد من النساء في سلطنة عمان وخارجها، حيث تثبت أن المرأة قادرة على تحقيق الإنجازات في مجالات متنوعة، من العمل إلى الرياضة والمغامرة.
ناهد هي مضيفة طيران في الطيران العُماني، ومتسلقة جبال محترفة. تحمل لقب الصعود مرتين إلى قمة كليمنجارو، أعلى قمة في أفريقيا بارتفاع 5,895 مترًا (19,341 قدمًا)، وهي إحدى قمم The Seven Summits الشهيرة. كما وصلت مرتين إلى مخيم قاعدة إيفرست على ارتفاع 5,364 مترًا.
نسكتشف المزيد عن عالمها في هذا الحوار:
حدثينا عن بدايتكِ مع الرياضة.. هل كنتِ دائمًا فتاة نشيطة ومُحبة للحركة منذ الصغر؟
لم أكن رياضية في صغري ولم يكن لدي شغف بالنشاط البدني، لكن مع دخولي مجال الطيران وتغيّر أوقات عملي، بدأت ألجأ للرياضة كوسيلة لتخفيف التوتر وتحقيق التوازن الجسدي والنفسي. ومع الوقت، تحولت من عادة إلى جزء أساسي في حياتي، وإن لم تكن شغفًا منذ البداية.
ومن أين بدأت شرارة حبكِ للمغامرات وتسلق الجبال؟ وهل كان هناك موقف معين ألهمكِ دخول هذا المجال؟
الشرارة الحقيقية بدأت عندما بدأ عالم المغامرات يظهر تدريجيًا في عُمان. في تلك الفترة، لم يكن لهذا المجال انتشار واسع، لكن من خلال معارفي وأصدقائي الذين بدأوا يخوضون بعض التجارب الاستكشافية في الجبال والمناطق غير المعروفة، بدأت أرافقهم بدافع التجربة فقط. كانت تلك الأماكن جديدة حتى على الخريطة السياحية العُمانية، وأثارني الفضول لاكتشافها.
التحول الجذري في علاقتي مع هذا العالم كان في عام 2017. سافرت إلى الصين، وهناك خضت تجربة لا تُنسى: قفزة البنجي. من ذلك الارتفاع الشاهق، شعرت وكأن شيئًا بداخلي قد تغير تمامًا. أدركت في تلك اللحظة أن هذا هو عالمي، وهنا وجدت شغفي.

كيف دعمتكِ بيئتكِ العائلية والمجتمعية في تبني هذا الشغف غير التقليدي بالنسبة للكثير من الفتيات؟
بحمد الله، لم أواجه أي رفض أو عوائق، بل تلقيت دعمًا وثقة كبيرة من عائلتي. كانوا يقولون دائمًا: “نثق بك، فقط انتبهي لنفسك”. هذه الثقة بنيتها معهم منذ البداية، وحرصت أن أكون مصدر فخر لهم.
رضاهم منحني طمأنينة داخلية ودافعًا قويًا للاستمرار. بفضل هذا الدعم، عشت بشغف واستقلالية، وأدركت أن الإنسان لا يُحصر في قالب واحد. المغامرة بالنسبة لي لم تكن مجرد هواية، بل وسيلة صادقة للتعبير عن ذاتي وسط ضغوط الحياة.
حققتِ رقمًا قياسيًا في تسلق جبل كليمنجارو مرتين، ما الذي دفعكِ لتكرار هذا الإنجاز؟
كانت تجربتي الأولى مع قمة كلمنجارو هي أول إنجاز شخصي لي خارج حدود سلطنة عُمان. تجربة لا تُنسى، تركت بصمة عميقة في قلبي. لم أكن أتوقع أن أعشق هذا المسار إلى هذا الحد. كانت المرة الأولى التي أعيش فيها تحديات القمم: الارتفاع، التضاريس، البرودة، صعوبة التنفس… لكنها كانت أيضًا المرة الأولى التي أكتشف فيها حجم الحب الكامن داخلي لهذا النوع من المغامرات.
كل لحظة في ذلك المسار كانت جديدة ومباغتة، وكأن الجبل يحاورني بلغة خاصة. عدت من هناك وأنا إنسانة مختلفة. لذلك، لم أتردد لحظة واحدة في تكرار الرحلة مرة ثانية، وهذه المرة كنت أحفظ تفاصيل الطريق عن ظهر قلب: الحجر، المنحدر، الممر، كل شيء محفور في ذاكرتي قبل أن تطأه قدماي من جديد.
واليوم، إن سنحت لي الفرصة لتكرارها مرة ثالثة أو رابعة أو حتى خامسة، فسأفعل ذلك بكل يقين وشوق. فكلمنجارو لم تكن مجرد رحلة، بل بداية شغف عميق.

علمت أن لجبل شمس مكانة خاصة في قلبك.. حدثينا عن ذلك
حين أكون في عُمان، فإن قمة جبل شمس هي ملجئي الدائم، وملعب التدريب الحقيقي لي. أزورها باستمرار، حتى مرتين في الشهر أحيانًا، أقطع فيها 24 كيلومترًا ذهابًا وإيابًا دون كلل. جبل شمس لم يكن مجرد مكان مرتفع، بل هو القاعدة التي انطلقت منها إلى قممٍ أكبر، مثل إيفرست بيس كامب وغيرها.
كلما أردت أن أختبر قدرتي من جديد، أو أستعد لتحدٍّ جبلي عظيم، أعود إلى جبل شمس. هناك، أشعر أنني أتنفس بطريقتي، وأستعيد طاقتي، وأتذكر دائمًا من أين بدأت الرحلة.
ما أصعب موقف واجهتهِ خلال تسلقكِ كليمنجارو أو أثناء وجودكِ في معسكر قاعدة إيفرست؟
رغم ما يُشاع عن صعوبة تسلّق قمم مثل “كلمنجارو” أو الوصول إلى معسكر قاعدة إيفرست، لم أواجه، ولله الحمد، مواقف تستحق أن تُذكر من حيث المشقة أو لحظات ضعف. لم يكن الأمر حظًا، بل ثمرة للانضباط والالتزام.
اتبعت أسلوبًا خاصًا لا أتنازل عنه، يعتمد على ثلاث ركائز: التحكم في النفس، وتنظيم الخطوات، والاستخدام الصحيح لعصيّ التسلق. إلى جانب ذلك، كنت حريصة على التغذية السليمة، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وإجبار نفسي على الأكل رغم فقدان الشهية. كل ذلك ساعدني على الحفاظ على تركيزي ولياقتي طوال الرحلة.
لم أترك مجالًا لفكرة الاستسلام. كنت أعرف تمامًا لماذا أنا هنا، وكان الدافع نابعًا من قناعة راسخة، لا من اندفاع لحظي.

ما شعوركِ عندما ترين نساءً عمانيات يلتحقنَ برحلات المغامرة والتسلق؟ هل تعتبرين نفسكِ مصدر إلهام لهن؟
كل مرة أصعد فيها إلى قمة جبل شمس، وأرى نساءً عُمانيات يقُدن مجموعات كبيرة من المغامرين والمغامرات، ينتابني شعور لا يوصف بالفخر. رؤية قائدات عُمانيات يمشين بثقة في مسارات الجبال، يوجّهن، يدعمن، ويصنعن فرقًا… هو مشهد يلامس القلب.
أشعر بالفخر العميق، لا بنفسي فقط، بل بنا جميعًا كنساء عُمانيات نكسر الصور النمطية، ونصنع من الجبال والوديان منصات إلهام. في كل مغامرة، في كل انحدار بحبل، أو تسلق، أو استكشاف لمسار وعر، نثبت أننا قادرات، وملهمات بطريقتنا، بحضورنا، بشغفنا.
فنحن لم نأتِ لهذا العالم لنكون مجرد عابرات، بل جئنا لنترك بصمة. وكل واحدة منا، في هذا المجال، تُثبت أن المرأة العُمانية قادرة على التحدي، وعلى القيادة، وعلى تقديم صورة مشرقة عن بلدها.
كيف توفقين بين عملك كمضيفة طيران وشغفك بالمغامرات؟
قد يبدو الجمع بين وظيفة مضيفة طيران في الطيران العُماني وعالم المغامرات وتسلق الجبال أمرًا صعبًا، لكنه ليس مستحيلاً. في البداية، واجهت بعض التحديات، خاصة فيما يتعلق بتنسيق الجداول بين الرحلات والمغامرات، لكن مع الوقت والخبرة، تعلمت كيف أخلق التوازن.

هل أتاح لكِ عملكِ كمضيفة فرصة استكشاف وجهات جديدة وأماكن ملهمة للمغامرة؟
بكل تأكيد عملي كمضيفة منحني فرصًا لاكتشاف أماكن جديدة مليئة بالمغامرات، وأصبحت أبحث دائمًا عن تجربة جديدة في كل وجهة أزورها، حتى لو كانت مكررة، وتعلمت أن أستغل كل فرصة وأعيش شغفي باستمرار، لأن الاستمرار هو سر النجاح وصنع الفارق.
وما الرسالة التي تحرصين على إيصالها من خلال مغامراتكِ؟
رسالتي في هذا العالم واضحة وبسيطة: “عيشوا المغامرة.”
اخرجوا من ضجيج الحياة اليومية، من الروتين، من كل ما يُقيّد الروح… وجربوا عالمًا مختلفًا، تكتشفون فيه أنفسكم من جديد: أجسادكم، عقولكم، قدرتكم على التحمل، وعلى المضيّ… ستتفاجؤون من حجم القوة التي تسكنكم.

وما هي حدود طموحاتك؟ وما القمة التالية التي تطمحين للوصول إليها؟
طموحاتي كثيرة، ولا تقف عند حدود. القمة القادمة، بإذن الله، هي قمة البروس في روسيا، أعلى قمة في أوروبا. وبعدها، الهدف الأكبر والأسمى الذي أسعى إليه بكل إصرار هو قمة إيفرست، أعلى قمة في العالم، بارتفاع ٨٨٤٩ مترًا فوق سطح البحر. هذا الحلم ليس فقط لتسجيل إنجاز، بل لإثبات أن الشغف إذا سكن قلبك، فإنه قادر أن يوصلك إلى السماء.
أخيرًا، ما النصيحة التي تقدمينها لكل فتاة عمانية تمتلك شغفًا بالرياضة والمغامرة لكنها مترددة في البداية؟
لكل فتاة عُمانية تحمل في قلبها شغف الرياضة أو المغامرة، ولكنها مترددة في البداية، أقول لكِ: أنتِ قوية وقادرة على تحقيق ما تطمحين إليه. طموحك جميل، وعالمك واسع مليء بالفرص والتحديات التي ستثريكِ.
لا تتوقفي أبدًا عن المحاولة والتطوير، سواء في مهاراتك، أو لياقتك، أو شغفك بأي نوع من الرياضة أو المغامرات. اجعلي حلمك حقيقة تعيشينها بكل قوة وإصرار. كوني فخرًا لعائلتك، وإلهامًا لكل فتاة تشبهك، فأنتِ ليست مجرد شخصية، بل قصة نجاح تُكتب كل يوم.
الانستغرام: gazal90



