spot_img
المزيد

    رزان الكيلاني: الصدمة المتوارثة هي جراح الأجيال التي تفسد علاقاتنا

    spot_img

    في عمق كل علاقة زوجية مضطربة، لا يكون السبب خلافًا حول تربية الأطفال أو ميزانية المنزل أو حتى الفروق الطبقية والثقافية فحسب، بل غالبًا ما تكمن جراح قديمة، لم تُشفَ، تنتقل من جيل إلى جيل كأنها إرث غير منظور، لكنها تُنقش بعمق في النفوس، وتؤثر على مصائر كاملة.

    نحن لا نولد بأفكار عن الحب، ولا نعرف مسبقًا كيف نبني علاقة، أو كيف نكون آباء وأمهات. إننا نتعلم الحب كما تعلمناه من آبائنا. لكن ماذا لو كان ما تعلمناه هو الحرمان، أو السيطرة، أو الإهمال، أو الصمت العاطفي؟ هنا تبدأ الحكاية.

    ما هي الصدمة النفسية؟

    الصدمة النفسية هي استجابة داخلية شديدة نتيجة التعرض لحدث صادم يتجاوز قدرة الفرد على الاستيعاب والتكيف.
    ولا تقتصر الصدمة على الحروب أو الكوارث، بل تشمل أيضًا:

    • الإذلال المستمر،
    • التهديد العاطفي،
    • الشعور بعدم الأمان لفترات طويلة،
    • فقدان الحب أو الاحتواء في مراحل الطفولة.

    من منظور علم النفس الإكلينيكي، الصدمة ليست ما حدث، بل ما فعله الحدث داخل النفس: كيف زعزع الإحساس بالقيمة، أو الأمان، أو القدرة على الثقة.

    istockphoto

    كيف تؤثر الصدمة على العلاقات؟

    عندما لا تُعالَج الصدمة النفسية، فإنها تُشكّل:

    • عدسات مشوهة نرى بها أنفسنا والآخرين،
    • أنماطًا دفاعية في التفاعل (كالانسحاب أو الهجوم أو الحاجة للمبالغة في السيطرة)،
    • حساسية مفرطة تجاه القرب أو الرفض.

    وفي العلاقات العاطفية، ينعكس ذلك في:

    • الخوف من التخلي،
    • الغيرة المفرطة،
    • الحاجة المستمرة لإثبات الحب،
    • عدم احتمال نجاح أو استقلال الشريك،
    • تحويل الحب إلى معركة لإثبات السيطرة أو كسب القيمة.

    إن الشريك غير المعالج من صدمته قد لا يرى في الطرف الآخر “شريكًا”، بل مرآةً لجراحه. فيطلب منه ما لم ينله من والديه، ويعاقبه على ما لم يفعله له أحد.

    الصدمة النفسية بين الأجيال: حين يرث القلب ألمًا لا يعرف مصدره

    الصدمة المتوارثة هي تلك الآلام النفسية التي لم يُعترف بها في الماضي، ولم تُعالج، فانتقلت بصمت إلى الجيل التالي.

    • الأب الذي نشأ تحت قسوة أبوية صارمة، قد يعيد إنتاج نفس النمط على أبنائه.
    • الأم التي نشأت في ظل تهميش أو إهمال، قد تكافح طوال عمرها لتنال الاعتراف، وأحيانًا تفقد ذاتها في محاولات غير متزنة.

    ومع تكرار هذه الدوائر، تتحول البيوت إلى أماكن صراع داخلي، لا سكن نفسي.

    الرجولة الشرقية… بين الصورة والقيد

    من بين الأسباب التي تُغذي هذه الدوائر المؤلمة، تأتي الصور النمطية السلبية للرجولة في السياق الشرقي.

    ففي مجتمعاتنا، يُربّى كثير من الذكور على أن “الرجولة” تعني:

    • السيطرة لا الحوار،
    • القسوة لا الحنان،
    • الصمت لا الإفصاح،
    • التفوق على المرأة لا الشراكة معها.

    وهذه المعايير ليست فقط ظالمة للنساء، بل مؤذية للرجال أنفسهم. إنها تسجن الرجل في قفص من الأداء المزيف، وتحرمه من أن يكون ضعيفًا حين يحتاج، حنونًا حين يشعر، ومتعاونًا حين يحب.

    الرجل الذي ينمو في ظل هذه الأفكار، يشعر بالعار من حاجاته العاطفية، ويرى في نجاح شريكته تهديدًا لصورته، لا إنجازًا يشاركه الفخر به.

    النرجسية الزوجية: حين يكون نجاح الشريك تهديدًا

    من أبرز نتائج الصدمة المتوارثة في العلاقات الزوجية هي ما نسميه الغيرة من نجاح الشريك.
    الرجل الذي لم يُسمح له بالتعبير عن ضعفه، أو تم قمع إرادته في الصغر، قد يكبر وهو يحمل غضبًا مكتومًا من ذاته ومن العالم.
    وحين يرى زوجته ناجحة، مشعة، محبوبة من الآخرين، لا يفرح بها بل يشعر بالتهديد. لماذا؟
    لأن نجاحها يوقظ في داخله ذلك الطفل الصغير المهزوم الذي لم يُسمح له أن ينجح.

    وهنا يظهر السلوك النرجسي:

    • التحكم الزائد
    • الانتقاد المستمر
    • تحجيم الشريكة
    • تشويه صورتها أمام الأبناء
    • محاولة إبقائها في الظل

    هذا السلوك ليس ناتجًا عن شر، بل عن ألم داخلي غير معالَج.

    istockphoto

    انهيار العلاقة: من الحب إلى العزلة

    حين لا يُعترف بالألم، ولا يُبذل جهد حقيقي في إصلاح العلاقة، فإن النتيجة الطبيعية هي:

    • انفصال عاطفي رغم استمرار الحياة المشتركة.
    • تشقق في الصورة الأسرية التي يراها الأبناء.
    • تكرار الأنماط المرضية في علاقاتهم المستقبلية.

    في هذه المرحلة، قد يصبح الطلاق أمرًا مطروحًا، لا بسبب خلاف آني، بل لأن الجراح القديمة لم تلقَ من يضمدها، فصارت تنزف في كل حوار وكل صمت.

    طريق الشفاء: من الكسر إلى الوعي

    الخبر الجيد هو أن الشفاء ممكن، وأن كسر السلسلة المتوارثة من الألم يبدأ من شخص يختار الوعي بدل التكرار.

    1. الاعتراف بالجذور النفسية للصراعات: لا يكفي أن نقول “هو شخص عصبي” أو “هي امرأة متسلطة”. يجب أن نسأل: لماذا؟ ما الذي لم يُشفَ في داخله أو داخلها؟
    2. طلب الدعم النفسي المهني: سواء في شكل علاج فردي أو جلسات زوجية، يحتاج الشريكان إلى مساحة آمنة يواجهان فيها الحقيقة دون اتهام.
    3. بناء تواصل جديد يقوم على الاعتراف لا القهر، على المشاركة لا السيطرة.
    4. حماية الأبناء من التكرار: عبر التربية الواعية، والنمذجة الإيجابية لعلاقة تقوم على الاحترام المتبادل.

    العلاقات الزوجية ليست مجرد عقود أو واجبات. إنها ساحات نفسية، تتواجه فيها طفولة كل طرف، وتتكشف فيها ندوبه، وتُختبر قدرته على الحب والنضج.

    الصور النمطية للرجولة في ثقافتنا يجب أن تُراجع، لا أن تُعبد. فهي تحرم الرجال من التوازن، وتحرم النساء من العدالة، وتحرم الأسرة من السلام.

    الصدمة النفسية – سواء في جيلٍ مضى أو جيلٍ حاضر- إن لم تُعالج، أعادت إنتاج ذاتها داخل الحب، ثم قتلته.
    لكن بالوعي، بالشجاعة، وبالإصرار على قطع دائرة الألم، يمكن لنا أن نمنح أبناءنا إرثًا مختلفًا: إرثًا من السلام، من الأمان، ومن الحب الناضج.

    انشر على السوشيال
    تاجز
    spot_img

    الأكثر قراءة

    العارضة “ثريا محمود”: جمال وموهبة يلفتان الأنظار

    تعد ثريا محمود من الشابات الجميلات اللواتي يقدمن محتوى مميزاً على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعمل كموديل مع خبيرات التجميل ومصممات الأزياء العمانيات.

    الفرق بين اللوس باودر والكومباكت باودر مع خبيرة التجميل ابتسام الفليتية

    تُعتبر اللوس باودر والكومباكت باودر من أهم أدوات التجميل التي تساعد على إطالة ثبات المكياج وتحسين مظهر البشرة. سنتعرف في هذا الموضوع على الفرق...

    “دي جي” حبيبة راشد.. مبدعة تشعل أجواء الحفلات  

    هنّ _ خاص حبيبة راشد امرأة عمانية متعددة المواهب والتخصصات، تعمل كمنسقة أغاني في الحفلات وبلوجر وفاشينيستا وهي أيضا ممرضة. إنها فنانة موهوبة متعددة المهارات،...
    spot_img

    المزيد

    ترك الرد

    من فضلك ادخل تعليقك
    من فضلك ادخل اسمك هنا