spot_img
المزيد

    هالة عباس.. أمٌ لا تعرف الاستسلام صنعت من الألم رسالة حياة

    spot_img

    هنّ _ خاص

    في عالم تُختبر فيه الأمهات بقسوة المرض والفقد، تبرز هالة عباس كصوتٍ ملهم لكل أم تخوض معركة صامتة خلف الأبواب المغلقة. فلسطينية حملت رسالتها من رحم تجربة نادرة وموجعة، حيث واجهت الحياة بأمومتها لطفلين مصابين بمرض الميتوكوندريا، ثم فقدتهما، لتنهض وتحوّل الحزن إلى وعي ورسالة.

    ومن قلب تجربتها، انطلقت لتكون عضوًا مؤسسًا في مؤتمر الأمراض النادرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتشارك اليوم قصتها لتمنح غيرها القوة، لا لتروّج بطولتها، بل لتقول لكل أم: يمكنكِ أن تنهضي، وتتركي أثرًا، رغم الألم.

    في هذا الحوار الصادق والعميق، تفتح لنا هالة قلبها لتشاركنا رحلة الألم، القوة، والإنجاز… وتقول لكل من يعيش التجربة ذاتها: “لستَ وحدك.” كوني أم لا تعرف الاستسلام.

    1. من هي هالة عباس: الأم، الكاتبة، والمتحدثة؟ وكيف تشكّلت هويتك من خلال تجربة أمومتك لطفلين بمرض نادر؟

    أنا هالة عباس، فلسطينية مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أكثر من 25 عامًا. تخرجت من جامعة في الأردن حاصلة على بكالوريوس في إدارة الأعمال، كما أحمل دبلومًا في الصحة العقلية والإرشاد النفسي من دبي.

    أنا ناشطة وداعمة في مجال الأمراض النادرة بحكم تجربتي الشخصية، وأشارك في تنظيم مؤتمر الأمراض النادرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ انطلاقه عام 2021 حتى اليوم. يهتم المؤتمر بتحسين حياة المصابين بالأمراض النادرة وعائلاتهم من خلال المحاضرات وورش العمل، وإتاحة اللقاءات مع نخبة من الأطباء والمتخصصين من مختلف أنحاء العالم.

    أنا أم لطفلين، محمود وزين، أصيبا بمرض نادر نتيجة خلل في جين وراثي يُعرف بـ”الميتوكوندريا”، وهو اضطراب يؤثر على إنتاج الطاقة في خلايا الجسم. لحسن الحظ، لم يؤثر هذا الخلل على الدماغ من حيث الوعي والإدراك، مما سهّل اندماجهما في المجتمع والتحاقهما بمدارس عادية، مع تطبيق المعايير التي حددتها وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات، والتي تحرص على دعم أصحاب الهمم ليعيشوا حياة كريمة.

    انتقل محمود وزين إلى رحمة الله تعالى، محمود عام 2019 عن عمر 12 عامًا، وزين عام 2024 عن عمر 15 عامًا، بسبب هذا المرض.

    أدى المرض إلى ضعف عام في العضلات، مما اضطرهما لاستخدام عربات متحركة، ولم يتمكّنا من ممارسة حياتهما اليومية بشكل مستقل، فلم يكن بمقدورهما الأكل أو الكتابة أو الاعتناء بأنفسهما. كما كانا يعانيان من صعوبات في النطق. تولّيت جميع مهام رعايتهما، من التنقل إلى الدعم التعليمي والعلاج الطبيعي والوظيفي والنطق، حتى تعلّمت تقنيات العلاج بنفسي لأطبقها في المنزل، نظرًا لضخامة التكاليف التي قد يعاني منها الأهل في مثل هذه الحالات.

    ورغم التحديات الجسدية، كانا متفوقَين في مجالات التعليم والنشاطات، وتميزا بروح خاصة وقدرات ذهنية لافتة قلّما نراها حتى لدى الأطفال الأصحاء.

    2. ماذا يعني لكِ أن تكوني عضوًا مؤسسًا في مؤتمر الأمراض النادرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ وكيف بدأت رحلتك مع هذا العمل التوعوي؟

    تجربتي مع أولادي، وتنقلي الدائم معهم بين العيادات الطبية، وحرصي على فهم كل ما يقال داخل غرفة الطبيب، كانت الدافع الأول للانخراط في هذا المجال. وبفضل إقامتي في دولة الإمارات، والدعم الكبير الذي توفره الجهات الحكومية والمجتمعية، أصبح لدي قاعدة قوية أسند إليها عملي، وساعدتني في بناء شبكة من العلاقات مع نخبة المجتمع.

    من هنا بدأت رحلتي لأصبح عضوًا مؤسسًا في مؤتمر الأمراض النادرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأشارك فيه مع أطباء ومتخصصين وناشطين لتقديم الدعم في مختلف المجالات. بدأت عملي بالمؤتمر منذ عام 2021 حتى اليوم، وآخر مشاركة لي كانت في الفترة من 17 إلى 20 أبريل 2025، وكنت متحدثة في دورتين متتاليتين، حيث تحدثت عن رحلتي مع أولادي بهدف رفع الوعي ودعم الأمهات. وقد حرصت هذا العام على دعوة بعض الأمهات من سلطنة عُمان للمشاركة، وأسعدني تجاوبهن وحرصهن على الحضور.

    3. فقدان طفلين من ذوي الأمراض النادرة تجربة تفوق الوصف. كيف استطعتِ تحويل هذا الألم إلى طاقة وهدف ورسالة؟

    أؤمن بأن الأم التي تُظهر قوتها خلال رحلة طفلها المريض، قادرة على الاستمرار حتى بعد الفقد، وذلك من أجل التشافي.

    محمود كان مصدر العزيمة والإرادة التي تعلمتها منه، وزين كان الأمل الذي لم يفارقني. تعلمت من تجربتي معهما الصبر وحب النفس والإيمان العميق. عشت معهما الحياة بطريقتهما كما كانا يحبانها، وجربنا معًا كل شيء وخلقنا ذكريات لا تُنسى.

    عندما فقدت محمود بكيت كثيرًا، لكنني أدركت أن زين ما زال بحاجة إلي، فانطلقت معه من جديد رغم ضعفه الجسدي، وصنعنا معًا حكاية أمل يعرفها الجميع. رافقني زين في جميع أنشطتي ومؤتمراتي، وكان ذلك له أثر إيجابي واضح على نطقه وتفاعله الاجتماعي.

    أما بعد رحيل زين، فلم أسمح للحزن أن يسيطر عليّ. كنت مؤمنة، وكلّفت أمري لله. وبعد شهر فقط، جمعت طاقتي ووقفت من جديد، وبدأت التحضير لنشاطات توعوية تحمل رسالة ولديّ وتكمل طريقهما.

    4. حدثينا عن أبرز الإنجازات التي حققها طفلاك رغم التحديات الصحية. كيف استطاع أحدهما الوصول إلى نهائيات تحدي القراءة العربي، والآخر الفوز مع اليونيسف برسوماته؟

    رغم العجز الجسدي، ركّزت على تطوير المهارات المتبقية لديهما. أدركت أن عقلهما سليم ويمكن دعمهما تعليمياً، فكنت أرافقهما يوميًا إلى المدرسة، وأتعاون مع المعلمين ومعلمات التربية الخاصة لتحديد خطة دراسية تتناسب مع قدراتهما.

    شاركا في العديد من الأنشطة، منها تحدي القراءة العربي عام 2016، الذي أتاح لأصحاب الهمم المشاركة بقراءة 25 قصة. محمود كان ذكيًا ويحب القراءة والحفظ، فكنت أقرأ له وأكرر الصفحات، وأعلّمه الربط بين الصور والمحتوى. وبما أنه لا يتكلم، تعلمت كيف أمكّنه من الكتابة وأرافقه كمساعدة في التعبير عن أفكاره، فكنت صوته الذي لا يُسمع.

    عند تقديمه أمام لجنة التحكيم، أبهرهم بمستوى ذكائه وسرعة بديهته. لم يفز بالجائزة النهائية، لكنه حاز على تكريم خاص، بمقابلة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتوقيع شخصي على شهادة المشاركة، وتكريمه على المسرح مع الفائزين من الإمارات السبع.

    أما زين، فبعد رحيل محمود، ركّزت على تنمية قدراته بالرسم. اكتشفت أنه يستطيع رسم ما يُعرض عليه، حتى وإن كانت حركته محدودة. وشارك في مسابقة “النقطة الزرقاء” التي أطلقتها اليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي طرحت سبع مواضيع خلال سبعة أسابيع. تمكن زين من إتمام أعماله الفنية، وتم اختيار أربع من رسوماته لتُنشر في كتاب رقمي عالمي، انتشر في دول عدة حول العالم.

    5. ما هي الرسالة التي تحرصين على إيصالها في كل مؤتمر أو لقاء تشاركين فيه؟

    كوني عضوة فاعلة في مؤتمرات محلية وإقليمية، أصبح لدي شبكة علاقات واسعة، لا تقتصر على العالم العربي فقط، بل تمتد إلى العالم أجمع. أحرص من خلال مشاركاتي على لقاء الأمهات والعائلات التي تعيش ظروفًا مشابهة، وأشجّعهم على التفاعل مع المؤسسات والجمعيات الداعمة.

    هذا العام، نظّمت ندوة ضمن مؤتمر الأمراض النادرة، جمعت أمهات من جنسيات متعددة ليتحدثن عن تجاربهن، لتكون مصدر إلهام ومعرفة لغيرهن. التقيت بأمهات لا يعرفن كيف يتعاملن مع أطفالهن، أو يجهلن الخدمات المتاحة لهن في الدولة، والتي يمكن أن تسهّل عليهن الحياة وتخفف العبء المادي.

    هنا كان دوري في التوعية، فالمعرفة قوة. قد لا أكون طبيبة، لكن كما يقول المثل: اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب. وجود حالة من أصحاب الهمم في الأسرة مسؤولية كبيرة، وكل حالة فريدة وتحتاج إلى تعامل خاص. وهنا تأتي أهمية المؤتمرات والمبادرات التي تدعم هذه الفئة وتثقف الأهالي ليكونوا جزءًا فاعلًا في حياة أطفالهم.

    6. نعلم أنكِ تعملين على إصدار قصة أطفال تحكي تجربة ولديك، إلى جانب رواية تتناول مسيرة حياتك. كيف تصفين مشروعك الأدبي؟ وما الذي تتمنين أن يصل للقارئ من خلاله؟

    مشروعي الأدبي هو تعبير صادق عن لحظاتي الإنسانية الخالدة معهم: الحب، الألم، الخوف، الفقد، القوة، والإرادة.

    أرغب أن يشعر القارئ بأنه ليس وحده، وأن الحياة، رغم قسوتها، لا تخلو من مساحات للدهشة، والشفاء، والحب.

    رسالتي أن لكل إنسان قصة تستحق أن تُروى، حتى أصحاب الهمم، بل ربما هم الأجدر بأن تُخلد قصصهم، لأنهم تعبوا بكل ما في الكلمة من معنى، وأثبتوا أنهم مميزون بمرضهم، ونادرون فعلًا.

    7. ماذا تقولين اليوم لكل أم تمر بظرف مشابه لما عشته؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يدعم هذه الأمهات بشكل فعّال؟

    لا تلعبي لعبة “ماذا لو؟”، ولا تلومي نفسك. تصالحي مع ذاتك. الحزن طبيعي، لكن لا تجلسي في ظله طويلًا. نحن مؤمنون، ونعلم أن لكل إنسان عمرًا وأحداثًا كُتبت له منذ ولادته.

    لا تفقدي الأمل، وتذكري لحظات طفلك السعيدة، صوته، نظراته، حضنه، كلماته. وإذا بكيتِ، فابكي… لأن البكاء شفاء، لا ضعف. هو سبقك إلى الرحمة، وكل دعاء، وكل ذكرى تهدينها له، ستصله بإذن الله. وكما كان الله معك في حياته، سيكون معك من بعده.

    8. وأخيرًا، لو كان بوسعك توجيه رسالة قصيرة للعالم من خلال هذا الحوار، فماذا تقولين؟

    أقول لعائلات أصحاب الهمم والأمراض النادرة: ركّزوا على هؤلاء الملائكة، فهم لا يحتاجون نظرات الاستغراب، ولا اللوم، بل يحتاجون الحب، الدعم، والاحتواء.

    كونوا الأبطال خلفهم، فأنتم فخر، وعطاؤكم مبارك. هؤلاء الأطفال نور لا ظل، ووجودهم ليس عبئًا بل رسالة، ترفع من حولهم إلى إنسانية أسمى.

    لمتابعة هالة في الانستغرام: @mahmoud_and_zain

    انشر على السوشيال
    تاجز
    spot_img

    الأكثر قراءة

    العارضة “ثريا محمود”: جمال وموهبة يلفتان الأنظار

    تعد ثريا محمود من الشابات الجميلات اللواتي يقدمن محتوى مميزاً على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعمل كموديل مع خبيرات التجميل ومصممات الأزياء العمانيات.

    الفرق بين اللوس باودر والكومباكت باودر مع خبيرة التجميل ابتسام الفليتية

    تُعتبر اللوس باودر والكومباكت باودر من أهم أدوات التجميل التي تساعد على إطالة ثبات المكياج وتحسين مظهر البشرة. سنتعرف في هذا الموضوع على الفرق...

    “دي جي” حبيبة راشد.. مبدعة تشعل أجواء الحفلات  

    هنّ _ خاص حبيبة راشد امرأة عمانية متعددة المواهب والتخصصات، تعمل كمنسقة أغاني في الحفلات وبلوجر وفاشينيستا وهي أيضا ممرضة. إنها فنانة موهوبة متعددة المهارات،...
    spot_img

    المزيد

    ترك الرد

    من فضلك ادخل تعليقك
    من فضلك ادخل اسمك هنا