spot_img
المزيد

    كوتش رزان الكيلاني: الأم المتفانية بين العطاء والوهن والانبعاث من جديد

    spot_img

     هنّ _ خاص

    حين تصل الأم المتفانية منتصف عمرها، تلتفت إلى الوراء فتجد أنها بذلت كل ما تملك من وقتٍ وجهدٍ وعاطفة في خدمة أسرتها. سهرت الليالي، وأرضعت من حنانها قبل أن تُرضع من صدرها، غرست في البيت دفئًا وسكينة، وصبرت على المتغيرات والانكسارات دون أن تكلّ أو تشتكي. غير أن الزمن الذي نعيش فيه بات يواجه الكثير من الأمهات بتحديات موجعة تتمثل بعدم تقدير أفراد أسرتها لهذا العطاء، لا زوجًا ولا ولدًا. حيث باتت تمرّ بجانبهم كظل، لا يُرى ولا يُحسّ. تتحدث، فلا يُصغى لصوتها. تتعب، ولا تُمدّ لها يد العون. وتكتشف أن وجودها قد تحوّل إلى اعتياد، وأن قيمتها لا تُستدعى إلا ساعة الحاجة.

    لقد رفعت الديانات السماوية شأن الأم، وجعلتها محورًا للرحمة والبر. وامتدحها الحكماء، وعدّوها الأصل في كل فضيلة. ومع ذلك، كثير من الرجال حين يرون الأبناء يميلون بأفئدتهم نحو أمهاتهم، لا يُباركون هذا الميل، بل يضمرون غيرةً تُترجم إلى تنافسٍ خفيّ، يُقصي الأم بدلاً من أن يُعزز مكانتها. وحين تُقصى، لا تخسر وحدها، بل تخسر الأسرة اتزانها الأخلاقي ومصدر دفئها الأول. فالأم، في صمتها الطويل، كانت تصنع من الحب خُلُقًا، ومن العطاء مذهبًا. ومن ينشأ في ظلّها، يتعلّم الرحمة والصدق، ويتشرّب مكارم الخلق قبل أن يتلقّاها في الدروس المدرسية. وإن زُحزحت عن مكانها، انخلعت الأخلاق من الجذور، وتحوّل الأبناء إلى نسخ مشوّهة لا تعرف للحب معنى ولا للبرّ طعماً.

    الغياب في الحضور والذوبان في الزوايا

    لقد صار الطمع سيدًا في البيوت، والأنانية قناعًا يُخفي به الأقربون قسوتهم. تغيب الأم، لا لأنها رحلت، بل لأنهم أهملوها حتى ذابت بين الجدران. وتُقصى لا لأنها ضعيفة، بل لأن القوة في عُرفهم أن تُقصي من يُحبك إذا نافسك على قلوب أبنائك. وحين يُمارَس الظلم على الأم، لا يُمزّق قلبها فحسب، بل تُصاب الأسرة كاملّة في بنيانها، لأنها هي عمود البيت، وإذا سقط العمود، انهارت السقوف.

    ومع كل هذا، يبقى في قلب الأم متسع للنور. فإن تجاهلها من حولها، فلا يجوز لها أن تتجاهل نفسها. فقد آن لها أن تلتفت لروحها، وأن ترمّم ما تكسّر بصمت، وأن تمنح ذاتها ما حرمتها إياه لسنوات. جميلٌ أن تصنع لنفسها وقتًا، أن تبتسم في وجه مرآتها، أن تهدي ذاتها وردة، أن تكتب في دفترها جملة تقول فيها: “أنا أستحق الحب والإعجاب والاحترام والمعاملة الحسنة الطيبة.”

    جميل أن تؤمن أن المحبة إن لم تأتها من الخارج، فبوسعها أن تنبت في داخلها، بطمأنينة لا يُشاركها فيها أحد. فهي ليست ضيفًا في أسرتها، بل الأصل فيها. ولئن نسيها الأبناء أو جحدها الزوج، فهي باقية، لأنها الحاضرة في النبض، والساكنة في الذاكرة، والمستحيلة نسيانًا.

    istockphoto

    انتقاد المراهقين لأمهم

    في طفولتهم، كان الأبناء يرون أمهم ملاكًا يمشي على الأرض، رمزًا للجمال والقوة والحنان. كانوا يراقبونها وهي تضع عطرها في الصباح وترتب شعرها، وتضحك معهم رغم تعبها، فتكبر في عيونيهم أكثر كل مرة. لكن الزمن دار، وكبر الأطفال، وصاروا مراهقين بعيون ناقدة، لا ترحم تفاصيل التغيّر. لقد باتوا يرون في أمهم امرأة مرهقة، ملامحها شاخت، لا تهتم بأناقتها كما كانت، وترتدي ما تجده أولًا، وتخرج بلا مكياج. فنجد أن أبناءها قد بدأوا بتوجيه الملاحظات الناقدة: “ليش ما بتهتمي بشكلك؟”، “كنت أنحف وإنت صغيرة!”، “كان شكلك أحلى قبل”، دون أن يدركوا أن تلك الأم التي كانت قدوتهم وهم صغاراً، قد أنهكها التعب والسّنون، والمسؤوليات لا تنتهي حتى أصبحوا كباراً. وتمر بهم السنون، ويكبر أبناؤها ويكتشفون أن تلك المرأة التي أحبّوها صغاراً ولكن قسَوا عليها دون قصد، قد أحبوها مجدداً، حب الناضجين بعد الإدراك. فهم لم يدركوا يوماً أنه حبهم الطفولي لها لم يكن سببه شكلها أو مكياجها أو فستانها، بل جمالها الحقيقي الداخلي وحنانها وعطائها وصبرها ودفئها وتضحيتها، فهي وضعت الجميع قبل نفسها. وهكذا، تعود الأم لنفسها، فتعود قدوة، لكن هذه المرة، ليست قدوة في الشكل فقط، بل في القوة، والعودة من جديد.

    خطوات بسيطة.. لتنهضي من جديد

    وفي صحوة متأخرة، تستيقظ الأم المتفانية من غفلتها الأنثوية، وتنظر في المرآة، وتقرر أن تستعيد شيئًا منها، لا لتُرضي أحدًا، بل لتتذكر أنها لا تزال امرأة قبل كل شيء. لذا أقدم إليك تالياً بعض الخطوات بسيطة لتستعيدي طاقتك وسعادتك:

    1-    اخرجي لتتمشي صباحًا لتحفزي نفسك جسدياً وعاطفياً وتشعري بالحرية والنشاط وتشدي أوصالك وعضلاتك.

    2-    استمعي للأغاني التي تفرح قلبك وتمتعك في لحظات وحدتك.

    3–    اقرئي من جديد، لتتعلمي معلومات مفيدة تغذي عقلك وتنمي وجدانك وتكسبك الدافعية والعزم والفضول للتعلم.

    4-    ضعي أحمر الشفاه فقط لنفسك وأحسني هندامك واشعري بأنوثتك بعيداً عن النق والصراخ واشتري فستانًا كنت تؤجلين شراءه لسنوات.

    5-    قدري نقاط قوتك وظوري نقاط ضعفك واشغلي نفسك بما هو مفيد ومنتج وذو معنى لك.

    انشر على السوشيال
    تاجز
    spot_img

    الأكثر قراءة

    العارضة “ثريا محمود”: جمال وموهبة يلفتان الأنظار

    تعد ثريا محمود من الشابات الجميلات اللواتي يقدمن محتوى مميزاً على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعمل كموديل مع خبيرات التجميل ومصممات الأزياء العمانيات.

    الفرق بين اللوس باودر والكومباكت باودر مع خبيرة التجميل ابتسام الفليتية

    تُعتبر اللوس باودر والكومباكت باودر من أهم أدوات التجميل التي تساعد على إطالة ثبات المكياج وتحسين مظهر البشرة. سنتعرف في هذا الموضوع على الفرق...

    “دي جي” حبيبة راشد.. مبدعة تشعل أجواء الحفلات  

    هنّ _ خاص حبيبة راشد امرأة عمانية متعددة المواهب والتخصصات، تعمل كمنسقة أغاني في الحفلات وبلوجر وفاشينيستا وهي أيضا ممرضة. إنها فنانة موهوبة متعددة المهارات،...
    spot_img

    المزيد

    ترك الرد

    من فضلك ادخل تعليقك
    من فضلك ادخل اسمك هنا