هنّ _ خاص
رغم اختلاف تخصصاتهما الأكاديمية عن الفن، إلا أن ما جمع أبتيل السعدي ومزنة الرواحي هو شغف عميق بالفن والقصص الإنسانية. من خلال أولى تجاربهما الفنية التي تجسدت في فيلمهما “Almost Pretty”، الذي يتناول تحديات الصحة النفسية، حصدتا المركز الأول في مسابقة “فرويد للمواهب” التي تهدف إلى دعم قضايا الصحة النفسية عبر الفن.تعمل مزنة في هيئة الخدمات المالية في مشروع ضماني، ولكن خارج أوقات العمل تتابع شغفها كفريلانسر في التصوير وصناعة الفيديو، أما أبتيل فتعمل كمخرجة إبداعية، ولديها خلفية أكاديمية في إدارة النقل واللوجستيات.
في هذا الحوار، تتحدث أبتيل ومزنة عن رحلتهما الفنية، والدوافع التي دفعتهما لاختيار هذا الموضوع، والتجربة الفريدة التي عاشتاها أثناء صنع الفيلم.
بداية، ما الذي جذبكم للمشاركة في مسابقة فرويد للمواهب؟
في البداية، لم تكن هناك نية جدية للمشاركة، لكن مع مرور الوقت بدأنا نأخذ الأمر على محمل الجد، وقلنا: “لمَ لا؟”
ما جذبنا فعلاً هو أن المسابقة كانت غير تقليدية، لم تحصر المشاركين في قوالب محددة، بل فتحت الباب للفكرة، وللرسالة، وللصدق. وهذا النوع من المساحات يلهمنا، لأننا نحب العمل على مشاريع تعبّر عن قناعاتنا وتقدّم إحساساً حقيقياً.
– كيف جاءت فكرة فيلم Almost Pretty؟ ولماذا اخترتما موضوع اضطراب التشوه الجسمي تحديدًا؟
لم تكن الفكرة وليدة لحظة، بل نتاج شعور طويل وتأملات في علاقتنا بأجسادنا، وكيف تشكّلت هذه العلاقة تحت ضغط معايير المجتمع والإعلانات والمحيط. كنا نناقش كيف أن الكثير من الناس يعيشون صراعًا داخليًا بين صورتهم الذاتية، والصورة التي يظنون أنهم “يجب” أن يكونوا عليها. ومن هذه النقطة بدأت تتبلور ملامح Almost Pretty.
اخترنا الحديث عن اضطراب التشوه الجسمي لأنه غالبًا ما يكون مخفيًا، لكنه مؤلم وموجود أكثر مما نتخيل. هو ليس مجرد “عدم رضا عن الشكل”، بل شعور قاسٍ بالعار والرفض تجاه تفاصيل قد لا يلاحظها أحد سواك. أردنا للفيلم أن يكون مرآة، لا ليعكس الصورة فقط، بل ليكشف الصوت الداخلي، ليجعل من يمرون به يشعرون أنهم ليسوا وحدهم، وأن ما يعيشونه له اسم… وله مخرج.
كيف كانت تجربة التصوير بدون ميزانية وفي وقتٍ محدود. ما أبرز التحديات التي خضتماها؟
قمنا بتصوير Almost Pretty من دون أي ميزانية تُذكر، واعتمدنا على جهودنا الذاتية نحن الثلاثة: أبتيل، مزنة، وصديقتنا فاليريا، وهي شابة كولومبية تقيم في سلطنة عُمان. لم تكن ممثلة محترفة، لكنها شاركتنا بروحها وحماسها، وساهمت كثيرًا في إنجاح العمل.
اعتمدنا في التصوير على أماكن مألوفة ويسهل الوصول إليها، مثل منزل أخت أبتيل (سارّه)، و”الأڤنيوز مول”، ومركز الشباب. لم تكن لدينا معدات احترافية أو فريق فني متخصص؛ تولّينا جميع المهام بأنفسنا: من التصوير والإضاءة إلى التعديلات الفنية، وكنا نتعلّم في كل مرحلة شيئًا جديدًا.
ورغم ما واجهناه من تحديات، كالإرهاق الجسدي، وضيق الوقت، وصعوبة الإعداد، إلا أن التجربة كانت حقيقية ونابضة بالحياة. وقد أدركنا من خلالها أن الإيمان بالفكرة والنية الصادقة يتفوقان على توفر الإمكانيات.

كيف كانت ردة فعلكما عند إعلان فوز الفيلم بالمركز الأول؟
عندما أُعلنوا اسمينا، أبتيل ومزنة، تبادلنا النظرات واندفعنا بالضحك من شدّة الدهشة! وكأن عقولنا لم تستوعب ما جرى. لم تكن هناك دموع، لكن كان هناك مزيج من الضحك، والذهول، والتساؤل: “حقًا؟ نحن؟”
لم نكن نتوقع الفوز إطلاقًا، ولكن شعورنا بأن الفكرة وصلت، وأن الجهد لم يُهدر، كان شعورًا عميقًا وصادقًا. كانت لحظة بسيطة، لكنها مشحونة بالمعنى.
ماذا يعني لكما هذا الفوز من الناحية الشخصية والفنية؟
شخصيًا، كان الفوز بمثابة “نحن موجودتان”. لطالما كنّا نصوّر ونكتب ونخلق، لكن أغلب من حولنا لم يكن يعرف أننا نفعل كل هذا. كنا نبحث عن أماكن فيها طاقة وقصص لنعود ونصوّرها لاحقًا. الفن بالنسبة لنا ليس مجرد هواية، بل وسيلة لفهم العالم والتعبير عنه بطريقتنا الخاصة.
فنيًا، كان هذا الفوز اعترافًا بنا، تأكيدًا أن هناك من يرى ويقدّر. والأجمل من ذلك أن الناس لم يرونا فقط كأسماء، بل كفنانتين لديهما رؤية وقدرة.
رغم أن تخصّصكما الأكاديمي بعيد عن الفن، ما الذي دفعكما للإخراج الإبداعي وصناعة الأفلام؟ وكيف طوّرتم مهاراتكما في هذا المجال؟
أبتيل: لم يكن قرارًا مفاجئًا، بل ممارسة قديمة بدأت منذ الطفولة. كنت أراقب، أدوّن، ألتقط اللحظات، وأتخيل قصصًا لكل ما أراه. أرسم، أكتب، وأكوّن مشاهد في ذهني دون أن أعلم أن ذلك يندرج تحت مسمّى فني. كل ما كنت أعلمه هو أن هذه الأشياء تجعلني أشعر بشيء حقيقي. ومع الوقت، أدركت أن لدي رغبة عميقة في التعبير، وأن الفن هو أقرب طريق لذلك حتى وإن لم أدرسه أكاديميًا.
مزنة: بدأت رحلتي مع التصوير كهواية، أوثق لحظاتي وأمنتج فيديوهات بسيطة، وأتعلّم بشكل ذاتي من الإنترنت. كنت أتابع صنّاع محتوى يلهمونني، وأجرّب كثيرًا. لاحقًا، بدأت أعمل كفري لانسر، وهذا فتح لي أبوابًا عديدة: مشاريع متنوعة، تحديات جديدة، وتجارب عملية ساعدتني على تعميق نظرتي البصرية، وتطوير مهاراتي مع كل تجربة جديدة.

كيف تصفان علاقتكما بالفن؟ ومتى بدأ الشغف؟
علاقتنا بالفن بدأت من الطفولة، لكنها لم تكن مرتبطة بالكاميرا أو الإخراج، بل بالملاحظة. كنا نرى العالم بطريقة مختلفة، نلتقط المشاعر والتفاصيل الصغيرة، ونحتفظ بها.
ومع الوقت بدأ هذا الإحساس يأخذ شكلًا: نكتب، نرسم، نلتقط صور، نتخيل مشاهد، لكن ليس بدافع “نكون فنانين”، بل لأنها طريقتنا لفهم العالم. الفن بالنسبة لنا لم يكن هدفًا، بل لغة. وعندما بدأنا نشتغل معًا، اكتشفنا انسجامًا فنيًا غريبًا، نكمل أفكار بعض، ونخلق أشياء تنبع من الصدق، والصدق هو جوهر الفن في نظرنا.
ما المهارات أو القيم التي تعتبرانها أساسية في هذا النوع من الفن؟
الصدق أولًا، ثم النية الصافية خلف العمل. كذلك الملاحظة الدقيقة، الصبر، واحترام كل جزء من العملية الإبداعية، سواء كانت الفكرة أو الشخص أو التجربة.
ما هي مشاريعكما القادمة؟ وهل ستواصلان العمل معًا؟
لكلٍ منا في الوقت الحالي مشروع شخصي تعمل عليه، لكننا نحرص دائمًا على أن نكون جزءًا من أعمال بعضنا البعض. هناك فكرة مشتركة نرغب بشدة في تطويرها: سلسلة أفلام قصيرة تتناول موضوع الصحة النفسية. نشعر أن هذا الموضوع قريب إلى قلوبنا، ويستحق أن يُروى بصدق وبأسلوب بسيط يمسّ الناس بعمق.

هل تخططان لتحويل Almost Pretty إلى سلسلة توعوية؟
نعم. لدينا نية لتحويله إلى سلسلة قصيرة تتناول مواضيع الصحة النفسية من زوايا مختلفة. نريد لهذه المواضيع أن تُطرح بطريقة إنسانية وبسيطة، تخفف الوحدة عمن يعيشها.
ما الرسائل التي تتمنيان إيصالها من خلال أعمالكما القادمة؟
نطمح أن تكون أعمالنا مساحة يشعر فيها المتلقي بأنه مفهوم، ومسموع. لا نحاول أن نشرح أو نعلّم، بل نعرض مشاعر وأسئلة قد يعاني الكثير من الناس في التعبير عنها.
نريد إيصال رسالة بسيطة: “أنت مش وحدك”، وهناك دائمًا شيء يستحق أن يُقال ولو بصوت هادئ.