هنّ _ خاص
تُعد ماوية البحري إحدى المصورات العمانيات اللاتي يجمعن بين الحس الفني والدراسة الأكاديمية، حيث تحمل دبلوماً في التصميم الجرافيكي، إلى جانب حصولها على درجة البكالوريوس في التصميم الداخلي. وبين شغفها بالتصوير الضوئي واهتمامها بقراءة الكتب في مجالات متعددة، تشكّلت لديها رؤية فنية تعكس عمق الثقافة العمانية وجماليات الحياة اليومية، لتكون الكاميرا وسيلة تتفنن من خلالها بالتعبير وتوثيق التفاصيل التي قد تغيب عن العين المجردة. نستضيفها في هذا الحوار لنتعرف على رؤيتها وأسلوبها عن قرب..
• يبدو أنّ لديكِ شغفاً بتوثيق التراث العماني. ما الذي يدفعكِ لهذا الاتجاه؟ وهل تعتبرين التصوير وسيلة لحفظ التراث؟
نعم، لدي اهتمام عميق بتوثيق التراث العماني من خلال عدستي، ويعود هذا الشغف إلى إيماني الراسخ بأهمية الهوية الثقافية وأهمية الحفاظ عليها. أنا أؤمن أن جماليات الحياة العمانية التقليدية تستحق التوثيق، خاصة في ظل تسارع وتيرة الحداثة التي تُخفي شيئاً فشيئاً تلك التفاصيل الغنية. أشعر أن من واجبي كفنانة ومصورة أن أسهم في تسجيل هذه الملامح، سواء كانت في العمارة القديمة، أو الحرف اليدوية، أو حتى ملامح كبار السن والأطفال الذين يحملون في وجوههم تاريخاً عريقاً. أرى أن التصوير ليس فقط فنّاً بصرياً، بل هو أيضاً أداة قوية لحفظ التاريخ، فالصورة قادرة على توثيق ما لا تستطيع الكلمات وصفه، وتمنح الأجيال القادمة نافذة حيّة على الماضي.
• كيف ينعكس تراث عمان وثقافتها في رؤيتك الفنية للصورة؟ وهل هناك رموز تحرصين على إبرازها في أعمالكِ؟
تراث عمان وثقافتها هما أساس لرؤيتي الفنية. حين ألتقط صورة، لا أبحث فقط عن التكوين المثالي أو الإضاءة المناسبة، بل أبحث عن روح المكان والرسالة التي يحملها. أركز دائماً على التفاصيل التي قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، لكنها مليئة بالدلالات الرمزية، مثل القلاع والحصون، البيوت القديمة، الصحراء، الأزياء التقليدية المتنوعة التي تعبّر عن تنوع المحافظات، والأسواق الشعبية. كما أنني أحرص على إبراز رموز الهوية العمانية مثل الخنجر والزي الرجالي المميز، فهذه العناصر ليست فقط بصرية، بل تحمل أبعاداً سردية وتثير شعوراً بالانتماء في نفوس المتلقين.

• في صوركِ تركيز واضح على ملامح الوجوه العمانية. ما الذي يجذبكِ فيها؟ وهل تؤمنين بأن لكل وجه قصة؟
ملامح الوجوه العمانية تأسرني وتشدّني كثيراً. قبل أن ألتقط الصورة، أحب أن أتأمل هذه الوجوه، فهي تروي قصصاً دون أن تنطق بكلمة. فيها عمق وأصاله وتاريخ ينعكس في كل نظرة أو تجاعيد أو ابتسامة، ففي هذه الوجوه تنوع يعكس غنى الثقافة العمانية من شمال البلاد إلى جنوبها، من الوجوه المنحوتة بالشمس في الصحراء إلى الملامح المبتسمة فى القرى الجبلية أو الساحلية.
أؤمن تماماً بأن لكل وجه قصة تستحق أن تُروى، سواء كانت قصة كفاح، أو لحظة صمت بين الماضي والحاضر. بالنسبة لي، الصورة وسيلة لتخليد هذه القصص واحترامها، لذلك أحرص دائماً على التقاط الإنسان في حالته الطبيعية، بعفويته وبساطته، وأترك للصورة أن تنقل مشاعره.
• تُظهرين في صورك تفاصيل من الحياة اليومية في عمان. كيف تختارين اللحظات التي ترغبين في توثيقها؟ وهل مرّت بكِ لحظة شعرتِ أنها تختصر معانٍ كثيرة؟
أجد أن تفاصيل الحياة اليومية في عمان تمثل كنزاً بصرياً غنياً، وهي مليئة بجمال خفي قد لا يلاحظه الناس من النظرة الأولى. كمصورة، أبحث دائماً عن اللحظات التي تبدو عادية ولكنها تحمل في طياتها صدقاً عميقاً وجمالاً نادراً، مثل مشهد بائع يعرض منتجات تقليدية في أحد الأسواق، أو امرأة تعد طبقاً تراثياً تشتهر به السلطنة، أو راعٍ للإبل يسير وسط الصحراء، أو سيدة ترتدي لباساً تقليدياً مميزاً في إحدى الجزر العمانية.
من أكثر اللحظات التي شعرت أنها تختصر معان كثيرة كان عمل فني من مدينة صور الواقعة فى الجانب الشمالي للساحل الشرقي من السلطنة، وتنحصر من جهة الشرق بين بحر العرب ومن بحر عمان من جانب آخر ، إنه عمل يجسد حياة البحارة قديما وما تحمله من مشقة وتفاصيل فى سبيل كسب الرزق.

• في بعض أعمالك، نلاحظ تلاعباً جميلاً بالضوء والظل. كيف توظفين الإضاءة للتعبير عن مشاعر معينة؟
الإضاءة عنصر محوري في عملي، وأستخدمها بوعي لتوصيل شعور معين. الضوء القوي والمباشر يمكن أن يعكس مشاعر حادة أو قوية، بينما الضوء الناعم يبعث إحساساً بالهدوء والحنين. أما الظلال، والتباين بين النور والعتمة، فيضيفان عمقاً ودراما إلى الصورة. كل تغيير في الإضاءة يحمل إحساساً مختلفاً، وأحرص دائماً على أن يكون لهذا العنصر دور أساسي في إبراز الجانب الشعوري من العمل.
• كثيراً ما تلتقطين تفاصيل صغيرة، مثل النوافذ أو الممرات الجبلية. كيف تكتشفين هذه التفاصيل؟ وهل تعتقدين أنها قد تكون أقوى من المشهد الكامل؟
أنا أؤمن بأن التفاصيل الصغيرة أحياناً تروي القصة بأبلغ مما يفعله المشهد الواسع. عيني دائماً تبحث عن عناصر صامتة تحمل معاني خفية، مثل نافذة مهجورة، أو ممر ضيق في قرية جبلية، أو سطح بيت تقليدي. التنوع الجغرافي في السلطنة يمنح المصور مادة بصرية غنية، وكل زاوية يمكن أن تكون فرصة لتكوين بصري مميز. وغالباً ما أجد أن تلك التفاصيل التي يمر الناس بها مروراً عابراً، تحمل قوة تعبيرية أكبر من المشهد الكامل.

• تلتقطين مناظر طبيعية مدهشة في لحظات ضوء استثنائية. كيف تعرفين أن اللحظة مناسبة للالتقاط؟
أنا أراقب الضوء بدقة، وأنتظر اللحظة التي يتفاعل فيها مع المشهد بشكل مختلف، حتى يصبح جزءاً من التكوين وليس مجرد إضاءة عادية. حين أشعر أن الضوء قد أضفى بعداً جديداً على المشهد، أعرف حينها أن الوقت قد حان لالتقاط الصورة.
• ما الذي يمنحكِ الإحساس بأن مشهداً طبيعياً يستحق التوثيق؟ هل هو التكوين، الشعور، أم شيء آخر؟
بالنسبة لي، الإحساس هو العامل الأول الذي يجعلني أقرر أن مشهداً ما يستحق التوثيق. الشعور الداخلي هو ما يقودني أولاً، وبعد ذلك يأتي دور التكوين، الذي أستخدمه لترجمة هذا الشعور وتحويله إلى عمل بصري ينقل الإحساس ذاته للمُشاهد.
• هل هناك موسم تفضلين التصوير فيه أكثر من غيره؟ ولماذا؟
نعم، فصل الشتاء هو موسمي المفضل للتصوير، وذلك لما يحمله من أجواء لطيفة، وظلال ناعمة تسقطها الشمس، مما يمنح الصور عمقاً وجمالاً خاصاً لا أجده في باقي الفصول.

• هل هناك صورة التقطتِها وشعرتِ بأنها مثّلت نقطة تحوّل في مسيرتكِ الفنية؟
نعم، كانت هناك صورة لطفلة من بدية لاقت إعجاباً واسعاً من محبي تصوير البورتريه. وقد وصل تأثيرها إلى حد قيام بعض الرسامين برسمها. هذه الصورة شكلت لحظة فارقة في مسيرتي، وأكدت لي أن للصورة قدرة على ترك أثر يتجاوز التوثيق.
• هل حدث أن التقطت الكاميرا لحظة لم تنتبهي لها بعينك المجرّدة؟ وكيف تعاملتِ مع هذه المفاجأة؟
أحياناً أقوم بالتقاط الصور بشكل متواصل لأصطاد اللحظات العفوية، خصوصاً تلك التي تظهر في تعابير الوجوه. وحدث بالفعل أن التقطت صورة لرجل مسن كان يتحدث مع أحد المصورين، ولم أنتبه وقتها إلى تعبير وجهه الدافئ ونظرته العفوية التي ظهرت بوضوح في الصورة، وكانت مفاجأة جميلة أكدت لي أن الكاميرا قادرة على رصد ما تغفله العين.
• ما أبرز التحديات التي تواجهينها كمصورة تسعى لتوثيق التراث والثقافة في عالم سريع التغير؟
أبرز التحديات التي أواجهها هي السباق مع الزمن، فالكثير من ملامح التراث في طريقها للاختفاء، وقد تتلاشى قبل أن أتمكن من توثيقها. كما أن الوصول إلى بعض المناطق أو المجتمعات يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، مما يضيف تحديات لوجستية على العمل الفني.

• شاركتِ في ملتقى المصورات العمانيات وحصدتِ المركز الثالث، كيف أثّرت هذه التجربة على نظرتك لذاتك كمصورة؟
أعطتني هذه الجائزة دافعا للاستمرار والبحث العميق في مجال التصوير وتجربة التصوير فى مختلف أنواع التصوير من حياة الناس أو البورتريه والطبيعة.
• المعارض تمنح الفنان مساحة لعرض رؤيته للجمهور. كيف تختارين الصور التي تمثل أعمالك في المعارض؟ وهل سبق أن فوجئتِ بردود فعل مختلفة عما توقعتِه؟
أختار الأعمال التي تلامس ذائقة المتلقي من حيث موضوع العمل والرسالة من العمل وتأتي بعدها الجماليات الفنية.
الحمد لله دائما ما يثني الجمهور على أعمالي وأحيانا يكون من الجمهور المهتم ويعرف تفاصيل العمل من المكان وطريقة الالتقاط.

• هل ترين أن المشاركة في المعارض المحلية كافية لإبراز هوية المصور العماني؟ أم أنك تتطلعين لمعارض أو منافسات على مستوى دولي؟
برأيي أنّ الانتشار المحلي مطلوب لكل فنان، ولكن عليه ألا يكتفي محليا، فواجب الفنان أن ينشر ثقافة وتراث بلده عالميا.
• هل هناك مشروع تصوير او معرض فردي تحلمين بتنفيذه؟ وما الفكرة أو الرسالة التي ترغبين في إيصالها من خلاله؟
نعم أود إقامة معرض شخصي لتعريف المجتمع باختلاف وتنوع وغنى التراث العماني.
وأحب أن أضيف شيء.. ما لا يعرفه الكثيرين أو يجهلونه أن المصور له دور كبير في إثراء المعرفة البصرية والثقافة الإنسانية، فهو يساهم في إنشاء سجل بصري للتاريخ والأجيال القادمة ونحن كمصورين نحمل على عاتقنا هذه المسؤولية وننجزها بكل حب رغم الصعوبات التي نواجها أحيانا.

