spot_img
المزيد

    شريفة التوبي تفتح الأقفال القديمة وتخرج الحكايات إلى الضوء

    spot_img

    هنّ _ خاص

    شريفة التوبي، كاتبة وقاصة عُمانية تميزت بحضورها اللافت في الساحة الأدبية، وبأسلوبها السردي الذي يجمع بين الحس الإنساني والبعد التاريخي. برعت في توظيف الأدب كوسيلة لاستحضار الذاكرة ومساءلة الواقع، وقدمت أعمالاً متنوعة بين القصة والرواية، منها مجموعتاها القصصيتان “عين السواد” و”انعكاس”، إلى جانب ثلاثيتها الروائية “البيرق” التي توجت بإصدار جزئها الثالث مؤخراً، لتؤكد من خلالها رؤيتها العميقة للواقع العُماني وتحولاته. في هذا الحوار، نقترب من عوالمها السردية ونكتشف المزيد من تفاصيل تجربتها الإبداعية.

    •كيف بدأت علاقتك بالكتابة؟ وهل تذكرين اللحظة التي شعرتِ فيها بأنكِ روائية بالفعل؟

    علاقتي بالكتابة بدأت في سن صغير جداً، وكان ذلك من خلال الرسائل التي كنت أرسلها لوالدي، وأستطيع القول إنّ هذه الرسائل هي التي دلّتني إلى نفسي وإلى الكتابة، كتبت وأنا مدفوعة بالشوق والحنين للأب الغائب، الذي أبعدته ظروف قاهرة عنّا، ولم تكن لي وسيلة بالتواصل معه إلا من خلال الرسائل، وأظن أن هذه الرسائل هي من خلقت مني كاتبة. كذلك إيمان والدي بي، شجعني على الاستمرار والتصديق بأني كاتبة، فأحياناً يكفي أن يؤمن بك أحدهم حتى تؤمن بنفسك، ومن منطلق هذا الإيمان كتبت، بدأت بكتابة المقالات والقصيدة والقصة القصيرة، وعُرفت ككاتبة عمود لمقالات اجتماعية في جريدة عمان، لكن حتى تلك اللحظة لم أكن قد تحققت بأن أكون كاتبة رواية، وكأنّ كل ما سبق كان تمهيداً للطريق الذي سأسير عليه لاحقاً، وخطوة أولى لخطوات أخرى قادمة، فأتت روايتي الأولى “سجين الزرقة”، كنقلة نوعية وجريئة في مسيرتي الأدبية، من منطلق القضية الحساسّة التي تناولتها فيها، عن اللقطاء، وخشيتي من عدم تقبّل القارئ أو المجتمع بشكل عام  لها، لكن النجاح الذي حققته وفوزها بجائزة الإبداع الأدبي لعام 2022من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، جعلني أدرك أن الرواية هو الجنس الأدبي الذي عليّ أن أواصل كتابته، وبالفعل وجدت نفسي كروائية أكثر من أي شيء آخر، ومن خلال الرواية اكتشفت كيف تكون الكتابة متعة الكاتب وحياته.

    •صدر لك مؤخراً رواية “هبوب الريح” الجزء الأخير من ثلاثية “البيرق” التي توثّق لتحوّلات المجتمع العماني في مرحلة مفصلية… كيف كانت تجربتك في كتابة هذا العمل الممتد؟ وما الذي يميز هذا الجزء الأخير عن سابقيه؟

    هذا الجزء هو امتداد للجزء الأول والثاني من ثلاثية البيرق، ولكن بإمكان القارئ قراءته بشكل منفصل. وفي هذا الجزء تكتمل أحداث الثلاثية، يكبر أبطال الرواية اللذين عايش القارئ ميلادهم وطفولتهم، والظروف القاهرة التي عاشوا فيها، في زمن الخمسينات والستينات، الزمن الصعب الذي عاشته البلاد في تلك المرحلة، وفي هذا الجزء أيضاً تتضح الصورة للقارئ، ويجد أن كل ما سبق من أحداث ما هي إلا سبب للنتيجة التي وصل إليها أبطال الرواية، وسيعثر على إجابات كثيرة على أسئلة ربما دارت في ذهنه عن تلك المرحلة بالذات، وعن الرياح التي هبّت على المنطقة العربية بل العالم بأسره، حيث كان العالم يعج بالثورات، وكان للمدّ الشيوعي والفكر الاشتراكي له أثره الكبير على عقول الكثير من الشباب الذين خرجوا من بلادهم مشتتون ومنتشرون في بقاع الأرض، باحثون عن لقمة عيش أو حياة كريمة في أرض غريبة، ليصدمهم ما رأوا من أفكار جديدة وتقدّم في كل شيء، حتى غدت المقارنة صعبة ومؤلمة، وربما ذلك ما حرّك فيهم رغبة التغيير، وما يفسّر الاتجاه الذي اتجّهوا إليه، في الانتقال من عمامة الفكر الديني إلى فكر مختلف، وذلك قبل ميلاد النهضة المباركة على يد السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله الذي أخرج البلاد من الفرقة والشتات، فأنجز ما وعد، وحقق الحلم.

    •ثلاثية ” البيرق” غوص سردي في الذاكرة العمانية وتاريخها القريب، كيف ولدت هذه الفكرة الملحمية في خيالك؟

    لم تأت هذه الفكرة فجأة، ولم تولد من رحم ذاكرة فارغة، ولا ملاحظة عابرة، بل أتت بعد أن حملتها في ذاكرتي ونفسي سنوات طويلة، مستعيدة تلك المساءات التي كان جدي رحمه الله يحكي لنا حكايات رجال الحارة، وحكاية الرجل الشجاع المسمى “ولد جَريَدة” على وجه الخصوص، وقد ألهمتني هذه الشخصية لأن أجسدّها في عمل أدبي، كنت مفتونة بذلك العالم البعيد بكل ما فيه من تداعيات وحكايات غير مكتوبة وغير موثّقة، وأدركت أن تلك الحكايات لا بد أن توثّق بشكل أو بآخر، وذلك التاريخ لا بد أن يحفظ بطريقة أو بأخرى، وربما اللحظة الفاصلة والحاسمة للبدء في كتابة هذا العمل، هو موت جدي، رحمه الله، وإدراكي أن رجل كجدي غيّبه الموت، وذاكرة كذاكرته دفنت في التراب، ولم يحفظ من ذلك شيئاً. ولأن التاريخ ليس سوى ذاكرة، والتاريخ مغر بالكتابة عنه، بدأت البحث والنبش في بطون الكتب، لكنّي لم أجد شيئاً، المكتوب في كتب التاريخ لا يشبه ما أبحث عنه، كُتب التاريخ تتحدث عن أرقام وحكاية قادة جيوش، ومن أبحث عنهم لم يُشر إليهم حتى ولو بإشارة بسيطة، فلم أجد أبناء الحارة ولا ملامح هذه الحارة، لم أجد المرأة ولا الطفل، ولا الرجل البسيط، ولا العائلة التي تشتت أفرادها، فتساءلت إذن كيف قامت الحرب، وكيف دارت رحاها؟ أين الجندي المجهول؟ أين التفاصيل في الحكاية؟ لذلك ظلت الحكاية التي حدّثني عنها جدي ذات مساء في داخلي ناقصة ومبتورة، وذلك ما ولّد في داخلي شرارة الفكرة لكتابة هذا العمل، فمثل هذا العمل لن يكتب سوى بقوة المخيّلة، المخيّلة وحدها ستعينني على اكتشاف المستور، وإكمال المبتور من حكاية لم تكن مكتملة، وكنت كلّما زرت الحارة القديمة ووقفت على أطلال الديار، ونوافذ البيوت المهدّمة بنوافذها الخشبية المشرعة للحياة، والأبواب المتداعية رغم وجود أقفالها التي ما زالت مغلقة، والجدران المندثرة، استفزّ في داخلي رغبة الكتابة، وفي تلك الدروب العتيقة بين بيوت الحارة التقيت حمود بطل هبوب الريح، وصالح وعويدة ونفافة، جميعهم حضروا في مخيلّتي حتى تشكّلت ملامحهم، وملامح العمل الذي أتى في ثلاثة أجزاء.

    •الجزء الأخير “هبوب الريح” اختتم حكاية بدأت من “حارة الوادي” مروراً ب “سُراة الجبل”. هل كنت تخططين منذ البداية لثلاثية، أم أن العمل تفرّع تدريجياً؟

    لم تكن الفكرة واردة في أن تصبح هذه الرواية ثلاثية، وهذا يعني أنه حينما بدأت كتابة العمل وانغمست في سرد أحداثه، أبطال العمل وحدهم من كانوا يقودون الكاتب، ويرسمون خطة العمل، لقد كانت الأحداث تتشكل أمامي وكأني أراها رؤيا العين، الأبطال تمرّدوا على الخطة المرسومة منذ البدء، حتى أني كنت أقف حائرة أمام تدفق الأحداث، وتطوّرها وتداعيها، تلك المتعة الجميلة التي كنت أعيشها في كتابة هذا العمل والتي استطاعت أن تسرقني من حياتي وواقعي، جعلتني أنغمس تماماً إلى درجة أني كنت لا أشعر بمرور الوقت ولا أحسب عدد الصفحات التي كنت أكتبها كل يوم، الفكرة في الأصل أن تكون رواية عنوانها البيرق، لكن الأحداث التي كانت تأخذني إلى البعيد، وعويدة التي كانت تقودني من يدي كي اصدّق معها حكاية زواج زوجها ناصر بن حمد من جنيّة، جموح حمود وطموحه، نفافة التي ولدت في الصفحات الأولى، كل ذلك أدى إلى أن العمل لا يمكن اختزاله في جزء واحد، عندها بدأت إعادة الكتابة مرة أخرى، ورسمت خطّة جديدة بمعاونة أبطال العمل أنفسهم وكأنّهم كانوا حاضرون معي داخل غرفة مكتبي المغلقة، حتى انتهى العمل ليخرج بثلاثة أجزاء، لثلاث مراحل زمنية، كل مرحلة تقود إلى الأخرى، وتكون سبباً لما بعدها، ولكل جزء عنوان فرعيّ، دون أن أضع أرقاماً على الأجزاء، لسبب واحد بأن القارئ يستطيع أن يقرأ الثلاثية بشكل منفصل ولكن بالطبع من الأفضل قراءتها كأجزاء ثلاثة لاكتمال الحكاية وفهم تطوّر الأحداث ونموّ الشخصيّات.

    •إلى أي مدى ترين أن الرواية يمكن أن تكون بديلاً عن كتب التاريخ في حفظ الذاكرة الشعبية؟

    لا يمكن أن تكون الرواية التاريخية بديلاً عن كتب التاريخ، لكل جنس أدبي شروطه ومتطلباته وتقنياته، قد يقال بأن التاريخ رواية محكيّة أو الرواية تاريخ محكي، ولكن ما نقرأه في كتب التاريخ لا نقرأه في الرواية، وما نجده في الرواية لا نجده في كتب التاريخ، ولست هنا بصدد عقد مقارنة بينهما، لأن لكل منهما اختصاصه ومهمته، بحيث لا يتعدى أحدهما على الآخر ولا يحدث خلط، ويحاسب القارئ كاتب الرواية على تجاوزه لحقيقة معينة، أو حتى يحاسب كاتب التاريخ على أنّه لم يكتب عن التفاصيل التي يتوق القارئ هو لمعرفتها. جميعنا نعلم أن التاريخ يكتب بقوة السلطة، ويكتبه المنتصر، فلا يركّز على التفاصيل ولا ينبش المستور والمدفون من الأحداث، التاريخ مليء بأسماء القادة والسلاطين والأئمة، والتاريخ يُكتب بحذر، لكن الرواية تتجاوز الحذر،  الراوي حرّ في اختيار عوالمه، واختيار الفكرة التي يبني عليها حكايته، لذلك نجد أن عالم الرواية  أكثر اتساعاً وصورتها أكثر شمولاً للأحداث، وعلى الراوي أن يكون مخلصاً للأدب، وفيّاً للمخيلة، وملتزماً بشروط كتابة الرواية، وعلى القارئ أن يدرك أن ما يقرأه ليس تاريخياً حقيقياً وأن بدا كذلك، فليس دور الراوي حفظ الحدث التاريخي، لذا أخلي مسؤوليتي من كتابة التاريخ، وأن صُنفت روايتي كرواية تاريخية، لكني لست كاتبة تاريخ، بل اعدت صياغته بما يتناسب ومتطلبات السرد، ومع ذلك أستطيع القول وبشكل عام الرواية قد تكون أكثر صدقاً من كتاب التاريخ وأقدر على حفظ الذاكرة الشعبية أيضاَ، لما تحويه من حكايات لأبطال لم يذكرهم التاريخ ولن يذكرهم.

    •كيف تتعاملين مع المسافة بين الواقع التاريخي وخيال الروائي أثناء الكتابة؟

    الواقع التاريخي بالنسبة لي الأرض التي كنت أقف عليها أثناء الكتابة، كنت بحاجة إلى أرض صلبة، أحلّق منها في فضاء الخيال الأدبي، أن كل ما قرأه القارئ هو خيال كاتب، وكل كتابة في الأصل هي تعتمد على فكرة واقعية، الأفكار لا تقتنص من الفراغ، وكل عمل أدبي انبثقت فكرته الخيالية من حقيقة وواقع، ومما هو مخزّن في الذاكرة، حتى في أعمال الخيال العلمي، والروايات الفنتازية. يعتقد البعض أن كاتب الرواية التاريخية يعاني من ضحالة في المخيّلة لذلك لجأ إلى التاريخ، وهناك من يعتقد أن كتابة الرواية التاريخية أسهل من الكتابة الأخرى، لكن الحقيقة أن كتابة الرواية التاريخية أصعب بكثير من أي كتابة أخرى، لأنه عليك ألا تقع في ذلك الفخ الذي تنصبه لك الحكاية الواقعية للتاريخ الحقيقي، عليك أن تكون حذراً وأنت تعيد صياغة التاريخ بما تراه عين مخيّلتك، وعليك ألا تقع في فخ الاستسهال وتكرار ما هو مكتوب ومقروء لأنك بذلك لن تقدّم شيئاً ولن تضيف شيئاً ولن تكتب أدباً.

    •تعدّ عويدة من أبرز الشخصيات الرئيسية في الثلاثية، وتتميز بصبرها وشجاعتها، بدت وكأنها تتجاوز حدود الخيال، إلى واقع ملموس، هل استلهمت هذه الشخصية من امرأة حقيقية عرفتها، أم أنها تجسيد رمزي للمرأة العمانية في زمن التحوّلات؟

    عويدة من الشخصيات التي تأثّرت بها شخصياً أثناء كتابتي لها، وحينما اخترت هذه الشخصية، اخترتها ورسمت ملامحها بعناية، امرأة قوية، صامدة، صابرة، مقاومة، حملت مسؤولية أسرتها كاملة بعد مقتل زوجها، وربت ابناءها ” تربية رجال”، مهتدية بإشارات من زوجها القتيل، إشارات يتركها لها في الحلم، وتسير على هداها. بالنسبة لي هذه هي المرأة العمانية التي لا تتغير ولا تتبدل، المرأة العمانية الحاضرة في أي موقف، المشاركة للرجل في كل شيء، القادرة على حمل أعباء الحياة تحت أي ظرف، فعويدة لا تمثل زمانها فقط، وإنما تمثل المرأة العمانية في أزمنة مختلفة، حتى اليوم، عويدة تشبه جدتي في ملامح شخصيتها، وحين كنت أكتب هذه الشخصية كانت تتراءى لي جدتي أمام عيني، في ملامح وجهها وشخصيتها، وجدتي هي كل النساء العمانيات اللاتي نفخر بهن وبأدوارهن، العمانيات في حضورهن الفاعل وليس الباهت في مشهد الأحداث.

    •المرأة العمانية في أعمالك قوية، حاضرة، ومؤثّرة.. هل ترين أن الأدب قادر على تغيير الصورة النمطية للمرأة الخليجية؟

    حينما نكتب، علينا أن نكتب بجرأة خصوصاً حينما نكتب عن المجتمع، في حياته وهمومه وقضاياه، علينا أن لا نقف على حافة الحدث، ولا نتناول أطراف الحكاية على استحياء، ربما البعض وضع المرأة الخليجية في قالب ضيق، ولم يستطع أن يخرجها منه، ولم يستطع أن يتصورها خارج إطار تلك الصورة النمطية، لكن هذه النظرة ليست عامة ولا تعكس واقع المرأة، والصورة لا تشبه صاحبتها، ففي الأدب نستطيع رؤية المرأة من منظور مختلف، نصادف نساء قويات، يشبهن أمهاتنا وجداتنا، وبذلك يكون الأدب قد ساهم كثيراً في تغيير تلك الصورة النمطية للمرأة، وأسند أدوار البطولة لنساء ما كُنّ سيعرفن لولا الرواية أو النص القصصي، ولم يقتصر دور الأدب على هذا الجانب، بل ساهم في تغيير أشياء كثيرة، وهذا دوره الطبيعي في تغيير المفاهيم الخاطئة. الكتب وحدها قادرة على إدارة منظومة التغيير في المجتمع، وقد ساهم الأدب بالفعل في كسر القوالب الجامدة، واستطاع تغيير تلك الصورة النمطية في أذهان البعض عن المرأة.

    •فوزك بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية عن “سُراة الجبل”، كان تتويجاً لرحلة أدبية ناضجة، كيف تلقيّت هذا التكريم؟ وهل يحمّلك مسؤولية مضاعفة؟

    فوز روايتي البيرق” سُراة الجبل” بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية، هو تكريم للعمل، وأي تكريم أو فوز هو بالنسبة لي مسؤولية مضاعفة بالطبع. حينما كتبت هذا العمل كتبته بمتعة ومحبّة وجهد كبير، وقد أخذ مني كثيراً، الوقت، والبحث المضني للوصول إلى المستوى الذي وصلت إليه، خصوصاً في رسم الشخصيات الكثيرة في العمل، حتى مزاجي في تفاعلي مع الأحداث، لذلك أتى الفوز عطاء من الله لي ومكافئة على تعبي، هذا هو شعوري حينما تلقّيت خبر الفوز، وطبعاً تقديراً من الجهة المعنية لهذا العمل واعترافاً بنجاحه، وفي الوقت ذاته وضعني في موقع المسؤولية أمام نفسي والقارئ ككاتبة وروائية، ومسؤولية الكاتب تبدأ مع الكلمة الأولى وهو يكتب، لكن بلا شك تصبح المسؤولية مضاعفة بعد أي جائزة أو تكريم.

    •هل ترين أن الجوائز تفتح نوافذ جديدة للكاتب، أم أنها مجرد محطّة في طريق طويل؟

    الجائزة قد تكون محطة لطريق طويل مليء بالتحديات، وهي محطة ليست عابرة، بل جسر إلى نجاحات أكبر، لأن الجائزة تعني أن يكون الكاتب على قدر المتوقّع منه، وأن يكون مسؤولاً عما سيقدمه بعد الجائزة، الجائزة  تعني أن تكون تحت الضوء، وتحت العين، سواء من القارئ أو الناقد، وهناك من ينتظر منك عملاً جديداً لا يقلّ مستوى عن العمل الذي قدّمه من قبل، لذا عليه أن يكون على قدر المسؤولية وهو يعبر تلك المحطة، ليسير في درب الإبداع الأدبي وليس لحصد الجوائز، وعليه أن يعي أن الجوائز الأدبية قد تكون فخّاً للكاتب والقارئ معاً، وقد يأخذه الغرور فلا يقبل النقد ويرفض التعلّم. إنّ فوز عمل واحد وحصوله على جائزة، يضعك في اختبار أمام نفسك وابداعك، وربما النافذة التي تفتحها الجائزة للكاتب هو الوقوف على عتبة المسؤولية، الشعور الدائم بأن عليه الكتابة بشكل أفضل، حتى لا يقدّم عملاً أقل مستوى عن سابقه.

    •أسلوبك يحمل نفساً ملحمياً ووفاء للموروث الشفهي، هل تعتبرين نفسك جزءاً من مشروع لإحياء الذاكرة الثقافية العمانية؟

    “أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد” كثير ما أردد هذا الشطر من بيت في قصيدة شعرية للشاعر التونسي محمد الصغير، أجدني مغرمة عاشقة ومتلبّسة بالحنين إلى مرابع الخطوة الأولى، “البلاد”، كما نحن نسميها، أو الحارة القديمة التي عشت فيها أولى سنوات عمري، خطوتي الأولى، إدراكي الأول، ضحكتي، فرحي، لهوي، ما زلت أحن إلى ذلك المكان البعيد في الزمن، القريب شمالاً من القلب، لذلك يستطيع القارئ أن يعثر في كتاباتي عن حب المكان، ويقتفي أثر خطوة الأجداد في الدروب القديمة، أنا لا اعتبر نفسي جزءاً من مشروع لإحياء الذاكرة الثقافية العمانية، بل يأتي ذلك بشكل تلقائي وغير مخطط له، أجدني هاربة من لحظتي الراهنة إلى الأمس، أستنطق الحجر والشجر حتى تبوح لي بأسرارها. هناك ذاكرة حية لا يجب أن تندثر، وثقافة يجب أن نسعى جميعاً لإحيائها في زمن الانفتاح الثقافي والإعلامي وامتزاج الهويات. في زمن غربة اللغة والثقافة والهوية، ما زلت مصرة أن أكتب عن القرية واستعين حتى بالكلمات في اللهجة المحليّة في حوار الشخصيّات، لأن في ذلك حفظ للموروث، جميعنا نعمل من أجل هذا الوطن، الذي نحبه بكل ما فيه، من تراث وثقافة وهوية خاصة، ونحرص جميعاً أن يظل هذا الموروث حيّاً لا يموت، وهذه الثقافة الأصيلة حاضرة لا تغيب، وفوق هذا وذاك تلك رسالة الكاتب، ودور المحُب العاشق لتراب هذا البلد.

    •من هم الكتّاب أو الكاتبات الذين شكّلوا وعيك الأدبي؟

    ليس هناك كاتب بعينه أو حتى كتاب واحد أستطيع القول أنّه كان له تأثير مباشر على تشكيل وعيي الأدبي، أو تجربتي الأدبية، يعنيني الكتاب قبل الكاتب، وتهمّني الفكرة قبل كاتبها، قرأت للكثير من كبار الكتّاب وصغارهم ومن كل كتاب كنت أتعلّم شيئاً، فحبّي للكتابة كان يدفعني لأن أبحث في هذا العالم الساحر الذي أجد نفسي فيه، لذلك أجد نفسي ما زلت أتعلّم، ما زلت أبحث، وما زلت أعاني نزق الكتب ومحبّتها، لقد تطلّب الأمر قراءة كتب كثيرة وكتّاب كثر، أحب قراءة الروايات، واقرأ الأدب المترجم، وما زلت حتى اليوم وغد اكتشف اخطائي وعثراتي وأتعلّم منها.

    •ما هو العمل الذي لم تكتبيه بعد وتشعرين بأنه ينتظرك؟

    حين أنغمس بكتابة عمل ما، لا أنشغل بعمل آخر سواه، لا أفكر في شيء آخر، كلّ ما يشغلني الفكرة التي أكتبها، لذلك لا أجدني أفكّر كثيراً فيما سأكتبه بعد ذلك، الهاجس الوحيد الذي يسيطر عليّ أو يشغلني أن هناك في مكان ما، في الضفة الأخرى من النهر أو المحيط أو طرف الغابة هناك قارئ ينتظر ما أكتبه، قارئ مجهول أكتب له، لذلك أحرص أن أركز كثيراً فيما أقوم به، وأترك كل شيء آخر. وغالباً حينما أنتهي من كتابة عمل أظن بأنه العمل الأخير، وأن لا عمل آخر سيأتي بعده، لكن في كل مرة، وما أن انتهي من كتابة عمل حتى تأتي فكرة أخرى وأنشغل بكتابتها، الكتابة بالنسبة لي روتين يومي، أو عادة، ولا أستطيع تخيّل أن يمرّ يوم ولا أكتب فيه شيئاً، ولو تمريناً للكتابة.

    ربما وما أستطيع قوله هنا أتمنى الكتابة عن المرأة، في سبر أغواها الجوّانية، أتمنى أن أخرج بعمل مختلف لم تتشكل ملامحه حتى الآن، ولكن كل ما أعرفه أنه سيكون عن المرأة، وكل ما اتجنبه الوقوع في فخ التكرار سواء على المستوى الشخصي أو المستوى العام، أتمنى أن أأتي بجديد وأن أكتب بنضج أكبر.

    •هل تشعرين أن الكاتبة الخليجية اليوم باتت تحظى باهتمام نقدي كافٍ؟

    في الخليج بشكل عام، لدينا قصور في الجانب النقدي، لكافة الأعمال الأدبية، بكل أسف النقد لدينا لم يوازي خط سير الأدب، الأعمال الأدبية سواء كانت الكاتبة امرأة أو الكاتب رجل، لم تنل حقها الكافي من النقد والدراسة، هناك اهتمام ثقافي لا ننكر، ولكن على المستوى النقدي، فما زلنا نطالب بالمزيد من النقد، الكاتب لن يتعلّم من التصفيق والمجاملة، بل من النقد، بالنسبة لنا نحن في عمان نعيش مرحلة ذهبية في مجال الأدب والثقافة، متفائلة جداً لما نحن عليه ولما هو قادم.

    •ماذا يعني لك أن تقرأ أعمالك خارج حدود الوطن؟

    الكاتب كما هو رسول وصاحب رسالة، فهو سفير أيضاً لوطنه، وحينما أكتب، أضع أمام عيني أني لا أكتب للنخبة، ولا لقارئ بعينه، وأعلم أن ما أكتبه سيتجاوز حدود الوطن والإقليم، وسيُقرأ من قارىء غريب، لا أعرفه ولا يعرفني إلا من خلال كتبي وكلماتي. وأن تتجاوز أعمالي حدود الوطن فذلك حلم كل كاتب، فحينما يكتب الكاتب هو لا يختار قارئه، ولا يحدد أماكن الوصول والانتشار، هو يكتب لقارئ مجهول، وقد يصل الكتاب إلى حيث لم يصل الكاتب، ويترجم كتابه إلى لغات هو لا يتحدّث بها، وذلك هو الأدب في حقيقته، كائن حي لا جنس له ولا دين ولا وطن. وأن تُقرأ كتبي خارج حدود وطني فذلك بالنسبة شيء رائع وعظيم، ويسعدني جداً حينما أجد رسالة من قارئ عربي عرفني من خلال كتاب قرأه لي، مبدياً إعجابه بما قرأ، بذلك أدرك أني حققت رسالتي من خلال الأدب.

    •ماذا تقرئين حالياً؟ وهل هناك كتاب تتمنين لو أنك كتبته أنتِ؟

    الأعمال الكاملة لكافكا. ورواية “التحوّل” الكتاب الذي تمنيت لو كنت كاتبته، أنه كتاب، كتب بعبقرية عظيمة، وأظن لا يمكن أن يكتب كاتب بذلك الأسلوب وبتلك الكثافة والذكاء، ويبدأ نصه بتلك المقدّمة الصادمة التي تترك القارئ مأسوراً منقاداً منذ العبارة الأولى وحتى العبارة الأخيرة، سوى كافكا.

    •كيف توازن شريفة التوبي بين الأدوار الاجتماعية التقليدية ودورها ككاتبة ومنتجة للمعرفة؟

    لا يوجد تعارض بين الأدوار الاجتماعية ودوري ككاتبة، كلاهما يسند الآخر، تربيت في أسرة مثقّفة، ورعاني أب يحب قراءة الكتب وأن لم يكتبها، ومنذ وعيت الحياة وأنا أجد دعم كبير من عائلتي كي استمر، وحالياً أستطيع القول أني أعيش أجمل سنوات عمري لتفرغّي التام للكتابة، لا شيء يشغلني، لا شيء يأخذني من عالمي الذي أحب، أعيش ساعات طويلة بين رفوف مكتبتي، كاتبة قارئة، هائمة في ملكوت عزلتي وشغفي ومتعتي في كتابة نص أو أعمل على اختمار فكرة، أنا أم لأربعة أبناء، يأخذون الأولوية في حياتي بالطبع، ولهم محبّة القلب والروح، ولكنهم يدركون الآن أن هناك من يشاركهم المحبّة والاهتمام، وأن انشغالي بكتابة عمل جديد فذلك يعني تركي لعزلتي وكتابتي.

    آمنت أن لا شيء يستحق أن أمنحه وقتي وعقلي أكثر من أبناء هم الإنجاز الأول والأجمل، وعمل أحبّه وأخلص له، في هذه المرحلة من حياتي أعيش لأكتب، قد لا يكون ما اكتبه انجازاً عظيماً، ولكن يكفيني أن أعيش لما أحب، وأعيش لحظات عمري بحب ومصداقية كبيرة بيني وبين نفسي كما لا يعيشها غيري.

    •أخيراً لو لم تكوني كاتبة، ماذا كنتِ ستصبحين؟

    قارئة كتب.

    حساب الانستغرام: sharifaaltoobi

    انشر على السوشيال
    تاجز
    spot_img

    الأكثر قراءة

    العارضة “ثريا محمود”: جمال وموهبة يلفتان الأنظار

    تعد ثريا محمود من الشابات الجميلات اللواتي يقدمن محتوى مميزاً على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعمل كموديل مع خبيرات التجميل ومصممات الأزياء العمانيات.

    الفرق بين اللوس باودر والكومباكت باودر مع خبيرة التجميل ابتسام الفليتية

    تُعتبر اللوس باودر والكومباكت باودر من أهم أدوات التجميل التي تساعد على إطالة ثبات المكياج وتحسين مظهر البشرة. سنتعرف في هذا الموضوع على الفرق...

    “دي جي” حبيبة راشد.. مبدعة تشعل أجواء الحفلات  

    هنّ _ خاص حبيبة راشد امرأة عمانية متعددة المواهب والتخصصات، تعمل كمنسقة أغاني في الحفلات وبلوجر وفاشينيستا وهي أيضا ممرضة. إنها فنانة موهوبة متعددة المهارات،...
    spot_img

    المزيد

    ترك الرد

    من فضلك ادخل تعليقك
    من فضلك ادخل اسمك هنا