هنّ _ خاص
بدور الريامية فنانة عُمانية معاصرة، تُعد من الأسماء اللامعة في المشهدين الفني المحلي والدولي. تميزت بأسلوبها الفريد الذي كسر القوالب التقليدية، وامتزج فيه الفن التشكيلي بروح التجريب والتقنيات الحديثة.
بالإضافة إلى إسهاماتها في تصميم أغلفة الكتب، شاركت في معارض ومحافل فنية عالمية، من أبرزها تمثيل سلطنة عُمان في أول جناح وطني لها في بينالي البندقية 2022، وفازت بالجائزة الكبرى في بينالي بنجلاديش الدولي عام 2008 م.
اليوم، تكرس بدور وقتها بالكامل للفن التشكيلي الحر، حيث تجسد رؤاها الفنية من خلال أعمال تمتزج فيها الألوان والأشكال لتسرد قصصًا بصرية مليئة بالرمزية والعمق. أعمالها مثل “روح مُحلّقة” و”قطع من السماء” تعكس تجربتها المتنوعة وتجسد تطلعاتها في استخدام الفن كأداة للتعبير والتواصل مع المتلقي، بينما تظل حريتها الإبداعية والتجربة الذاتية هما أساس رؤيتها الفنية.
بداية .. كيف كانت نشأتك، وما الخلفية العلمية والمهنية التي شكّلت مسيرتك؟
نشأت في بيئة تؤمن بخصوصية كل فرد وبحقه في التعبير عن صوته، وكان والداي أول معلميَّ في الحياة، فزرعا في داخلي حب الفن والكتابة منذ الصغر. درستُ التربية الفنية في جامعة السلطان قابوس، ثم تنقلت بين عدد من المؤسسات الحكومية، بدءًا من مهنة التعليم، مرورًا بمجال التصميم، وصولًا إلى الإشراف الثقافي لطلبة كليات العلوم التطبيقية سابقًا. أما اليوم، فأكرّس وقتي بالكامل للفن التشكيلي الحر، حيث أجد ذاتي ومساحتي للتعبير.
لنبدأ من عملك الفني الأخير الذي قدّمته في أسبوع التصميم، مجسّم “روح مُحلّقة”، والذي حظي بصدى إيجابي لافت. حدّثينا عن هذا المشروع، ولماذا اخترتِ الليسو تحديدًا؟ وما دلالات الألوان في العمل؟
بتكليف من شركة “عُمران”، أنجزتُ مجسم “روح مُحلّقة”، وهو جزء من تجربة فنية ممتدة أشتغل فيها على تشكيل “القطع المُحلّقة الحرة”. لكن ما ميّز هذا المشروع تحديدًا هو الحضور اللافت للّون، وهو عنصر لم يكن بارزًا في أعمالي السابقة.
أما عن اختياري لليسو، فلأنه يعبّر – بشكل أو بآخر – عن التعددية الثقافية الغنية؛ إذ يُصنّع غالبًا في الهند، وتُطبع عليه عبارات باللغة السواحلية وبأحرف لاتينية، ثم ترتديه المرأة العمانية من الشمال إلى الجنوب. هذا الامتزاج الثقافي يمنحه رموزًا جمالية خالصة تنبع من هوية من ترتديه وتعبّر عنها.
أما قطعة الحجر المثبّتة في المنتصف، فهي عنصر مفتوح على التأويل؛ فالبعض رآها عائقًا يمنع القطعة من التحليق، بينما رأى فيها آخرون عنصر أمان وثبات يحميها من أن تختطفها الرياح. وبين الرأيين، لا يوجد صواب أو خطأ؛ فالعمل يسرد حكايته بعين مُتلقيه، لا بعين صانعه فقط.

ما هي فكرة مجسم “قطع من السماء” الذي عرضته في “ممشى الفن والتصميم” ضمن برنامج “سياحة الإبداع” مع مجموعة عمران، وكيف تم تنفيذه؟
عمل قطع من السماء، وهو كما قلت تجربة ممتدة من أعمالي المتنوعة بين الصورة والفيديو والشعر من تجربة (صلاة من الربع الخالي) حيث امتزجت الصورة مع أعمال نحتية كأنها تفر منها في لحظة من الزمن خارج إطار تلك الصورة لتتطاير في محيطها بحرية، فتعطي للمشاهد الشعور بمطاردة تلك القطع الفارّة ومشاهدتها من مختلف الزوايا.
– صرحتِ سابقاً بأنك كفنانة تشكيلية تميلين إلى استخدام الفن المفاهيمي. حدثينا عن هذا النوع من الفن وكيف توظفينه في أعمالك؟
الفن المفاهيمي يعتمد بشكل أساسي على الفكرة، لذلك أسعى دائمًا إلى طرح فكرة أو قضية أو أسئلة ضمن قالب جمالي يثير اهتمام المتلقي ويجعله يشارك في رؤية العمل أو في استكمال طرح الأسئلة أو حتى السعي لاكتشاف إجابات لها. أستخدم في هذا السياق أبسط الأدوات وأقل العناصر، حيث تبرر الفكرة الوسيلة المستخدمة.
– ما هي أهم المعارض التي شاركت فيها وتعتبريها نقطة تحول لنجاحك؟
كل المعارض التي شاركت بها لها بصمتها في نفسي وذاكرتي الفنية.
– كيف يؤثر تطور التكنولوجيا الرقمية على أسلوبكِ في التشكيل؟ وهل تعتمدين على الأدوات الرقمية بالكامل أم تفضلين المزج بينها وبين العمل اليدوي؟
في الحقيقة أجد التكنولوجيا هي أداة مثلها مثل القلم والفرشاة، لكل منها استخداماته التي صُنعت من أجله، الفنان المتمكن هو من يعرف استخدام أدواته وتوظيفها التوظيف الصحيح في العملية الإبداعية. في الحقيقة أنا لا أستطيع تفضيل أحدها على الآخر إلا من حيث الممارسة الفعلية، فالعمل اليدوي يظل الأكثر متعة في ممارسته، إذ يشغل الحواس كلها ملمسا ورائحة وصوتا، ثمة متعة خفية في كل تلك التفاصيل اليدوية.

– إلى جانب موهبتك في الفن التشكيلي التي نلت عليها جوائز عديدة، لديك اهتمامات متنوعة في التصوير والتصميم والإخراج.. كيف تثري هذه المجالات حسّك الفني وتضيف إليه؟
كما ذكرت سابقا الفكرة تبرر الوسيلة. أحب التجربة في الفن، فالفن في جوهره عملية متراكمة الخبرة في المهارة والتفكير، لهذا تتماشى تلك التجارب في داخلي مع كل عمل، كما أنَّ أركان وجماليات التكوين الفني تكاد تكون واحدة في مجال التصميم أو الصورة أو الرسم.
– تصميم أغلفة الكتب ليس مجرد وظيفة تقنية، بل يُعتبر فناً بحد ذاته. كيف تعبّرين عن نفسك كفنانة تشكيلية من خلاله؟
الغلاف عبارة عن علاقة سرية بين النص والفن، فهو يعكس العمل الأدبي ويوجزه في إطار بمقاس الكتاب نفسه!، حيث يعكس آلاف الكلمات والمعاني في صورة واحدة، ويوجز كل تلك الأفكار والمشاعر في رسالة بصرية تسمى غلاف.
لهذا رغم ما يبدو عليه تصميم الأغلفة من بساطة إلا أنه يحتاج إلى فنان يتذوق الكلمة بقدر تذوّقه للون والشكل والصورة ويسردها فنياً بذكاء.
– ما الذي يلهمك عند تصميم أغلفة الكتب لتحويل المفاهيم الأدبية إلى تصاميم بصرية مبتكرة، وما هو حجم الحرية التي يمنحها لك العملاء؟
النص نفسه هو ما يلهمني، أغلب الكتاب يثقون برؤيتي حين يضعون على عاتقي تصميم غلاف لكتابهم. الكاتب هنا يحدثني من خلال عمله الأدبي ونتواصل بمفردات النص، فإذا لامست روحي كان من السهل على إيجاد تعبير بصري لمحتوى الكتاب، وغير ذلك أعتذر فالأمر متصل أولا وأخيرا بحساسيتي للنص.

– حصلت على جوائز عديدة عن أعمالك الفنية، هل ترين أنّ هذه الجوائز شكّلت ضغطاً للاستمرار في نفس النمط، أم أنها دفعتكِ لتجربة أفكار أكثر جرأة وابتكاراً؟
الجوائز تربت على كتف الفنان، وتحفزه على الاستمرار، لكن نفس اليد التي تربت أحيانا تمسكه ليعلق في مكانه! مما يجعله يكرر نفسه من دون أن يشعر.
والجوائز نسبية وغير مأمونة لتصدير نجاح الفنان أو فشله! فالعمل الذي يفوز في معرض أو مسابقة ما، قد لا يفوز في مسابقة أخرى. على الفنان أن يعول على تجربته بشكل عام وعلى النقد الموضوعي والجاد من قبل المتخصصين أو الخبراء ذوي التجربة والإلمام بالتجارب وتاريخ الفن.
– إلى جانب عملك المهني والفني أنت أم، ما هي أكبر التحديات التي تواجهينها في مجالاتكِ المختلفة ودورك كأم؟ وكيف تتغلبين عليها؟
كانت التجربة الأمومية منعطفًا جديدًا في حياتي إلى جانب الوظيفة آنذاك، أخذت مني جهدًا للتخلي عن أنانية الفنان نحو عمله، ولكني تكيفت مع مسؤولياتي في السنوات الثلاثة الأولى، وخططت مسودات لأعمالي القادمة باستخدام عنصر التصوير أكثر من الرسم والنحت؛ وذلك لتفادي تعرض طفليّ لتأثير المواد الكيميائية في المواد التي أستخدمها.
الآن كبر طفليّ وأصبحا أكثر استقلالاً وأصبحت أخصص لممارستي الفنية وقت أكبر دون الشعور بتأنيب الضمير.

– ما هو المشروع الفني الذي تتطلعين إلى تحقيقه مستقبلاً، وكيف تتخيلين تأثيره على الساحة الفنية؟
العديد من المشاريع تدور في رأسي.. بعضها في طور الإنتاج وبعضها تنتظر اللحظة المناسبة. وأنا لا أطمح إلى التأثير على محيطي أو الغير بقدر ما أود رؤيته في داخلي.
الانستغرام: budoorina
