هنّ _ خاص
في فضاء الثقافة والإبداع، تتوهّج أسماءٌ استطاعت أن تترك بصمة عميقة في قلوب الأجيال، وتُسهم بفاعلية في تشكيل وعيهم وبناء لغتهم وهويتهم. ومن بين هذه الأسماء اللامعة، تبرز الدكتورة وفاء الشامسي، الكاتبة والأكاديمية المتخصصة في أدب الطفل، وصاحبة الرؤية الهادفة لترسيخ ثقافة الطفل في عالم متغيّر.
بأكثر من 150 إصدارًا أدبيًا موجّهًا للأطفال والناشئة، وببرامج تدريبية تركّز على تمكين المعلّمين والمربّين، نجحت الشامسي في فتح آفاق أوسع للخيال واللغة والمعرفة. كما أسّست صالون “مساءات ثقافية”، الذي غدا منصة حوارية تثري المشهد الثقافي المحلي، إلى جانب كونها سفيرة التحوّل الرقمي بمحافظة البريمي.
كان لنا معها هذا الحوار للحديث عن مشاريعها ورؤيتها وتجربتها الملهمة في خدمة الطفل والثقافة.

– كيف تعرّفين “ثقافة الطفل” من وجهة نظرك؟ وهل تتجاوز القراءة والفن إلى أنماط التفكير والسلوك؟
ثقافة الطفل هي المنظومة الكلية التي تُشكّل وعيه وتوجّه سلوكه، وتنمو مع تطوّره المعرفي والنفسي والاجتماعي.
هي ليست محصورة في القراءة والفن، بل تشمل اللغة، واللعب، والخيال، وطريقة التفاعل مع العالم. لذا، فإن الثقافة لا تكمن فقط في “ما يُقدَّم للطفل”، بل في “كيف يُقدَّم” أيضًا. كل قصة، وكل لعبة، وكل حوار، هي لبنة تُسهم في تشكيل نمط تفكيره وميوله وسلوكياته.
– ما العناصر الأساسية التي يجب أن تتوافر في أي منتج ثقافي موجه للطفل؟
أولًا: أن يكون المنتج صادقًا ويحترم عقل الطفل دون أن يتعالى عليه.
ثانيًا: أن يرتكز على عناصر الهوية الثقافية: اللغة، القيم، والرموز البيئية.
ثالثًا: أن يكون محفّزًا للخيال، داعمًا للتفكير، مفتوح النهايات.
وأخيرًا: أن يتكامل فنيًا من حيث اللغة، الصورة، الإيقاع، والجاذبية البصرية. فالمنتج الثقافي الناجح هو الذي يوازن بين المتعة والمعنى.

– كيف تقيّمين وعي أولياء الأمور بأهمية بناء ثقافة غنية ومتنوعة لأطفالهم؟
الوعي موجود، لكنه متفاوت. البعض يختزل الثقافة في التعليم الأكاديمي أو الشاشات، ويتغافل عن أن الثقافة تُبنى بالحوار، بالحكايات، بالمشاركة في الأنشطة، بل وحتى بالصمت الجمالي أمام لوحة فنية.
مهمتي كمتخصصة هي إعادة تعريف الثقافة للأسرة على أنها “أسلوب حياة”، لا مجرد كتاب أو فعالية عابرة.
– ما الفجوة الأكبر التي ترصدينها اليوم بين الطفل العربي ومصادر الثقافة الحديثة؟
الفجوة تكمن في المواءمة. فمن يتابع المشهد الثقافي يدرك أن مصادر الثقافة الحديثة تتسارع رقميًا، بينما لا يزال كثير من المحتوى العربي مترددًا في اللحاق بها دون التفريط في الأصالة.
الطفل العربي اليوم يتفاعل مع عالم رقمي متغيّر، لكنه لا يجد دائمًا محتوى يُشبهه، يُشبعه، ويُخاطب وجدانه بلغته وقيمه. هذه الفجوة تُحمّلنا مسؤولية أكبر لإنتاج محتوى رقمي عربي جاذب ومعاصر.

– ما النماذج الناجحة في العالم العربي في تنمية ثقافة الطفل؟
هناك تجارب بارزة، مثل مشروع “الشارقة للكتاب”، ومبادرات “القراءة للجميع” في عدة دول، وتجربة سلطنة عُمان في ربط الطفل بالتراث عبر القصص الشعبية المصوّرة.
كما أقدّر التجارب التي تدمج الطفل في الإنتاج الثقافي، كـ “الصالونات الأدبية لليافعين”، لأنها تصنع قارئًا ومبدعًا في آنٍ واحد.
– لديكِ أكثر من 150 إصدارًا في أدب الطفل، كيف تختارين موضوعات الكتابة؟ وهل تستندين إلى تجارب شخصية أم ملاحظات اجتماعية؟
هذه الأعمال تنوّعت بين القصص المطبوعة، والمجلات، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، بالإضافة إلى مشاريع إنتاج القصص لصالح مؤسسات تهدف إلى تعزيز أدب الطفل ضمن استراتيجياتها.
أما موضوعاتي، فأبدأها من حيث يبدأ السؤال في عيون الأطفال. أراقب، أستمع، أدوّن. أستلهم من الواقع، من قضايا الهوية واللغة، ومن احتياجات مجتمعية أو مدرسية.
أحيانًا تولد القصة من موقف عابر في ورشة أو من همسة طفلة في زاوية ندوة. لا أكتب من برجٍ عاجي، بل من تماس يومي مع حياة الطفل وتطلعاته.

– كيف ترين أهمية الكتابة للطفل في تشكيل وعيه وقيمه؟
الكتابة للطفل ليست ترفًا أدبيًا، بل مسؤولية حضارية.
عندما أكتب، أزرع مفاهيم، وأفتح نوافذ، وأحرّك وجدانه نحو التساؤل والتأمل.
القصة قادرة على تهذيب السلوك، وتعزيز القيم، وتشكيل الحسّ الجمالي والوطني والإنساني. لذلك أكتب دائمًا بوعي تربوي وبلاغة إنسانية.
– هل هناك أعمال أدبية جديدة قيد الإعداد؟
نعم، أعمل حاليًا على مجموعة قصصية جديدة، بالإضافة إلى قصص منفصلة ضمن مشروع “عالم تاء”.
– لديكِ نشاط ملحوظ في ورش التدريب والفعاليات، حدّثينا عن آخر جولاتك المحلية والخارجية.
قدّمت مؤخرًا عددًا من البرامج والورش التدريبية في معرض مسقط الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي، إلى جانب برامج بالتعاون مع مؤسسات في سلطنة عُمان ودولة الإمارات.
كما شاركت ضمن لجان تحكيم في جائزتين، إحداهما إقليمية والأخرى عربية.
الوجود في الميدان مع الأطفال مهم جدًا لصقل أدواتي السردية والفنية؛ إذ تمنحني هذه اللقاءات فرصة للعطاء، والاستماع إلى الأطفال في بيئات مختلفة، مما يُثري تجربتي وكتاباتي.
– بصفتكِ سفيرة التحول الرقمي بمحافظة البريمي، كيف تُسهمين في تعزيز الثقافة الرقمية في المجتمع؟
أؤمن بأن التحوّل الرقمي لا يقتصر على استخدام التقنية، بل يتمثّل في توظيفها لإنتاج محتوى ثقافي تفاعلي وأصيل.
ضمن مهامي كسفيرة، ومن خلال موقعي كرئيسة مجلس إدارة جمعية المرأة العُمانية بالبريمي، أُطلق لقاءات توعوية بين المؤسسات الحكومية وعضوات الجمعية لتعزيز الوعي الرقمي.
كما أدرّب المعلمين والطلاب على الكتابة الرقمية، وإنتاج القصص التفاعلية، وإطلاق منصات رقمية تُبرز أدب الطفل العماني والعربي.
ندرب الطفل على أن يكون مُنتجًا للمعرفة، لا مجرد مستهلك سلبي.
– ما الفكرة التي انطلقت منها مبادرة “مساءات ثقافية”، وما أبرز أهدافها؟
“مساءات ثقافية” انطلقت من الحاجة إلى مساحة حوارية حيّة في المجتمع المحلي، تربط بين الأجيال وتمنح الكلمة لغير المتخصصين أيضًا.
نسعى من خلالها إلى إعادة الكتاب والقراءة إلى الواجهة، وتكريس الحوار كقيمة ثقافية.
نستضيف مبدعين من مختلف التخصصات، ونتناول قضايا ثقافية بطريقة حوارية بسيطة وعميقة في آن.
ولأنها انطلقت كأول مبادرة ثقافية في محافظة البريمي، وبعد اتساع الوعي الثقافي وظهور مبادرات مشابهة، تم نقل المبادرة إلى العالم الافتراضي كمنصة تدريب تُعنى بموضوعات تلتقي في أهدافها مع ثقافة الطفل.

– كيف تُسهم جلسات الصالون في تعزيز الذائقة الثقافية، خاصة لدى الشباب؟
الصالون ليس حكرًا على النخبة، بل هو مساحة لتبادل الأفكار وتوسيع الآفاق.
من خلال الجلسات الحوارية، نكسر الحواجز بين المثقف والمتلقي، ونمنح الشباب فرصة للتعبير عن آرائهم وقراءاتهم، مما يعزّز ثقتهم بأنفسهم، ويصقل ذائقتهم النقدية والجمالية.
– حصلتِ على عدد من الجوائز والتكريمات، ما أبرزها؟
من الجوائز التي أعتز بها: جائزة الدولة القطرية في مسرح الطفل (2020)، وجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية (الدورة الخامسة)، إلى جانب تكريمات محلية وإقليمية.
كل جائزة تمثّل لي مسؤولية مضاعفة، ورسالة مضمونها: أن أدب الطفل يستحق الاحتفاء والاهتمام.