بقلم كوتش رزان الكيلاني
في عالمٍ تُقاس فيه قيمة المرأة أحيانًا بمظهرها الخارجي، تتزايد الضغوط الاجتماعية والنفسية التي تدفع العديد من النساء إلى اللجوء لإجراءات التجميل. هذا الاتجاه لا ينبع فقط من الرغبة في تحسين المظهر، بل يتجاوز ذلك ليشمل مخاوف أعمق تتعلق بالقبول الاجتماعي، والاستقرار العاطفي، والفرص المهنية.
1. خيانة الأزواج والقلق من الاستبدال
تُظهر الدراسات أن النساء اللاتي يتعرضن لخيانة الشريك يشعرن بتهديد مباشر لقيمتهن الذاتية، خاصةً عندما تكون الخيانة مع نساء أصغر سنًا. هذا الشعور يدفع العديد منهن إلى السعي لاستعادة “شبابهن” من خلال التجميل، كوسيلة للحفاظ على العلاقة أو استعادة الثقة بالنفس. في علم النفس العيادي، يُصنّف هذا النوع من الخوف كجزء من “قلق التقدير الذاتي المشروط”، أي أن المرأة تشعر بقيمتها فقط إذا أُعجب بها الآخرون، خاصةً الشريك.
توصيات عملية:
• البحث عن برامج دعم نفسي تساهم في تخفيف حدة القلق وتقليل القرارات التجميلية الاندفاعية.
• العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والكوتشينج يساعدان النساء على إعادة بناء قيمتهن الذاتية من خلال إعادة صياغة معتقداتهن التي تحدّ من تقديرهن لأنفسهن، كقول: “أنا لا أُحَبّ إلا إذا كنت جميلة”.
2. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتضخيم معايير الجمال
إن وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً المنصات مثل إنستغرام، تروج لمعايير جمال مثالية وغير واقعية، مما يؤدي إلى زيادة عدم الرضا عن المظهر الخارجي بين النساء. نُشرت دراسة في مجلة (Psychology Today) أشارت إلى أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي مرتبط بزيادة الرغبة في إجراء عمليات تجميلية بين النساء الشابات، نتيجة للمقارنات المستمرة مع الصور المعدّلة رقميً باستخدام الفلاتر. وهنا يتضح البُعد النفسي للمقارنة الاجتماعية كآلية معرفية شائعة تجعل المستخدمين يقارنون أنفسهم بصورة غير واقعية للصور المعروضة. وهذا يضر بالصورة الذاتية للمرء، ويزيد الشعور بالنقص، وهذا يسمى بـ”الاستدلال البصري المُفرط” الذي يجعل المرأة تصدق أن هذه المعايير المفلترة واقعية أو مثالية. فقد أُجريت دراسة على 300 فتاة جامعية (Fardouly et al., 2020) أظهرت أن 68% منهن شعرن بأنهن بحاجة لتعديل مظهرهن بعد تصفح إنستغرام لمدة أقل من 30 دقيقة.
توصيات عملية:
• إنشاء برامج توعية في المدارس والجامعات حول “الواقعية الرقمية ” (Digital Realism)
• القيام بتمارين يومية للامتنان لصحة الجسم والتي (Body Gratitude) تُظهر فعاليتها في تخفيف أثر وسائل التواصل على القلق المتمحورة حول صورة الجسد.

3. التمييز العمري والفرص المهنية
التمييز ضد النساء بسبب العمر يؤثر على فرصهن المهنية، خاصةً في المجالات التي تعتمد على المظهر. دراسة أجرتها جامعة بوسطن وجدت أن النساء يشعرن بضغط متزايد للحفاظ على مظهر شاب للحفاظ على تنافسيتهن في سوق العمل، مما يدفعهن إلى اللجوء لإجراءات تجميلية. ويتضح هنا البُعدان النفسي والاجتماعي حيث تواجه النساء في سوق العمل ما يُعرف بالتمييز الجنسي والعُمري معًا. مما يُنتج خوفًا وجوديًا لديهن من التهميش، خاصة في المجالات التي تتطلب الظهور العام، مثل الإعلام، التعليم العالي، أو العلاقات العامة. فقد كشف تقرير صادر عن OECD (2021) أن النساء فوق سن الـ45 يحصلن على ترشيحات لوظائف بمعدل يقل بنسبة 37% عن النساء في العشرينات، بالرغم مع سعة خبرتهن في العمل.
توصيات عملية:
• إدخال سياسات تشجيع التنوّع العمري في بيئات العمل من قبل السلطات الحكومية.
• إدراج جلسات دعم مهني ونفسي للنساء لتطوير “العلامة المهنية” التي تركز على الخبرة والكفاءة وليس الجمال السطحي.
4. القبول الاجتماعي والخوف من فقدان القيمة
السعي وراء التجميل غالبًا ما يكون مدفوعًا بالرغبة في القبول الاجتماعي والخوف من فقدان ما يمنح المرأة قيمتها في المجتمع. دراسة نُشرت في مجلة BMC Nursing أظهرت أن الرغبة في أن تكون المرأة محبوبة والقلق من المظهر الاجتماعي يؤثران بشكل كبير على قرار النساء بإجراء عمليات تجميلية. حيث يصبح التجميل هنا محاولة للاندماج في معيار اجتماعي للجمال مرتبط بالشرعية والاحترام، خاصة في المجتمعات التي تحتفي بالشباب كرمز للجدارة. ويتقاطع هذا مع مفهوم “الذات المرآوية” (Looking-Glass Self)، حيث ترى المرأة نفسها كما يراها الآخرون. كما أظهرت دراسة من BMC Nursing (2024) على عيّنة من 450 امرأة أن 75% منهن وافقن على عبارة: “أخاف أن يفقد الناس اهتمامهم بي إذا ظهرت علامات التقدم بالعمر على وجهي”.
توصيات عملية:
• نشر حملات إعلامية تظهر تنوع الجمال الحقيقي، خاصة النساء فوق الأربعين.
• دعم مجموعات مجتمعية تُعزز الاعتراف بقيمة المرأة في كل مراحل حياتها، مثل مبادرات “جمال الحكمة” أو “ثقة العمر”.
وتُظهر العوامل السابقة أن إقبال النساء على التجميل ليس مجرد هوس بالجمال، بل هو سلوك اجتماعي مُعقّد تتشابك فيه الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية. حيث يعتبر استجابة لضغوط اجتماعية ونفسية عميقة. لذلك من المهم توفير دعم نفسي واجتماعي للنساء، وتشجيع ثقافة تقبل الذات، وإعادة تعريف معايير الجمال لتكون أكثر شمولًا وتنوعًا. وهذا يتطلب إعادة هيكلة القيم الاجتماعية التي يحد من شعور المرأة أن قيمتها تنخفض مع التقدم في السّن. كما أن دمج علم النفس المجتمعي، والتوعية الرقمية، والدعم العاطفي قد يكون بمثابة وقاية أولية من الانخراط التلقائي في دوامة التجميل القسري.
المراجع المذكورة:
• Fardouly, J., Diedrichs, P. C., Vartanian, L. R., & Halliwell, E. (2020). Social comparisons on social media: The impact of Facebook on young women’s body image concerns and mood. Body Image, 13, 38–45. https://doi.org/10.1016/j.bodyim.2014.12.002
• OECD. (2021). Ageing and Employment Policies. https://www.oecd.org/employment/olderworkers
• ASPS. (2022). Plastic Surgery Statistics Report. https://www.plasticsurgery.org/news/plastic-surgery-statistics