هنّ _ خاص
مريم المنجية، اسم ساطع في سماء الموسيقى الكلاسيكية، فهي أول عازفة تشيلو في سلطنة عمان والخليج العربي. منذ طفولتها، عشقت آلة التشيلو، وتحولت موهبتها إلى رحلة موسيقية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، مليئة بالإنجازات والتكريمات والمشاركات العالمية. من المسارح الملكية إلى دور الأوبرا المرموقة، رسخت اسمها في الساحة الموسيقية بفضل تميزها وإبداعها. جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد منحها لقب “العازفة الأولى في سلطنة عمان”، تقديرًا لموهبتها الاستثنائية. في هذا الحوار الخاص، نلتقي بمريم لنكتشف تفاصيل رحلتها الفنية، ونتعرف على التحديات التي تجاوزتها، والمحطات التي جعلت منها فنانة عالمية.
مريم، متى بدأتِ مشواركِ مع آلة التشيلو؟
بدأت رحلتي مع آلة التشيلو عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، حيث التحقت بالفرقة السلطانية الخاصة، وهناك اكتشف أساتذتي موهبتي وتم اختياري من قبل اللجنة لأن أكون عازفة تشيلو ضمن الفرقة. كان ذلك نقطة التحول في حياتي، حيث بدأت أتعلم وأتدرب بجدية على هذه الآلة الفريدة منذ عام 1994.
منذ اللحظة الأولى التي لامست فيها أوتار التشيلو، شعرت بانجذاب خاص لهذه الآلة التي تجمع بين القوة والعاطفة في آنٍ واحد. كنت أقضي ساعات طويلة في التدريب، أبحث عن أدق النغمات وأحاول أن أفهم روح الموسيقى التي تنبعث من أوتارها. لم يكن الأمر سهلاً في البداية، فآلة التشيلو تتطلب مهارة عالية وتحكمًا دقيقًا، لكن مع مرور الوقت، أصبحت جزءًا من حياتي اليومية، ووسيلتي للتعبير عن مشاعري وأفكاري.
رحلتي مع التشيلو لم تكن مجرد تدريب وعزف، بل كانت مغامرة موسيقية تعلمت فيها الصبر والانضباط والتفاني، وكل مرحلة مررت بها زادتني إصرارًا على تحقيق حلمي في أن أصبح عازفة محترفة تمثل بلدي في المحافل الموسيقية العالمية.

كيف تعلمتِ العزف على التشيلو؟
في بداية مشواري، كان لي الشرف أن أتعلم على يد الأستاذ شريف حسن، أحد أفضل عازفي التشيلو في مصر، الذي ساعدني على اكتشاف إمكانياتي وتأسيس تقنياتي الأولى في العزف. خلال عام واحد فقط، تمكنت من إتقان أساسيات العزف، حيث كنت أتابع تدريبي بتركيز شديد، وأعمل على تطوير أدائي بشكل مكثف.
لكن رحلتي مع التشيلو لم تتوقف عند الدروس الأولى، بل كانت مجرد بداية لمسيرة طويلة من التعلم المستمر. بعد أن وضعت الأساسيات، بدأت أعتمد على نفسي في تطوير مهاراتي، حيث كنت أخصص ساعات طويلة يوميًا للتمرين، وأبحث عن مصادر مختلفة للتعلم، سواء من خلال الاستماع إلى العازفين العالميين، أو دراسة أساليب العزف المختلفة، أو حتى تجربة تقنيات جديدة بنفسي.
لديكِ مشاركات محلية ودولية هامة، حدثينا عنها.
نعم، لقد تشرفت بالمشاركة في العديد من الفعاليات داخل السلطنة، مثل الحفلات الملكية، المناسبات الوطنية، وحفلات دار الأوبرا السلطانية. أما دوليًا، فقد مثلت عمان في مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية، وفي دار الأوبرا الكويتية ضمن مهرجان الموسيقى الدولي 24، وفي دار الأوبرا كتارا في قطر، إلى جانب مشاركات في الكويت، لبنان، الأردن، العراق، سويسرا، إيطاليا، إسبانيا، أمريكا، والصين. كما عزفت في معارض إكسبو في دبي، إيطاليا، إسبانيا، والمغرب.
كل هذه المشاركات لم تكن مجرد حفلات موسيقية، بل كانت تجارب ثرية أضافت لي الكثير، سواء من حيث التطور الفني، أو من خلال التفاعل مع موسيقيين عالميين، وتبادل الخبرات معهم، وهو ما عزز من رحلتي كعازفة تشيلو عمانية تحمل شغفها للعالم.
حصلتِ على تكريمات عديدة، فما أبرز الجوائز التي نلتِها؟
أهم تكريم في مسيرتي كان حصولي على لقب “أفضل عازفة” عام 2015 من قبل الديوان السلطاني، بالإضافة إلى التكريم الذي أفتخر به من السلطان الراحل قابوس بن سعيد، حيث منحني لقب “العازفة الأولى في سلطنة عمان”. هذه الجوائز لم تكن مجرد تقدير، بل كانت حافزًا قويًا للاستمرار في تقديم الأفضل وإيصال موسيقاي إلى أوسع نطاق.

كيف تصفين علاقتكِ بآلة التشيلو؟
علاقتي بالتشيلو تتعدى كونه مجرد آلة موسيقية؛ إنه جزء لا يتجزأ من كياني وروحي. فهو الوسيلة التي أتمكن من خلالها التعبير عن مشاعري العميقة، وسرد قصصي التي لا يمكن للكلمات أن توصلها. على الرغم من أن التشيلو يعد من أصعب الآلات الموسيقية من حيث التقنية والمهارة، إلا أنني عندما أتعامل معه، أجد فيه شغفي الذي يملأ قلبي، وسعادتي التي تلامس أعماق روحي.
ما هي أكبر التحديات التي واجهتكِ في مشواركِ الفني؟
أكبر التحديات التي واجهتني في مشواري الفني كانت تتعلق بكوني أول عازفة تشيلو في سلطنة عمان والخليج العربي. فقد كنت أواجه ندرة العازفين المحترفين في هذه الآلة في المنطقة، بالإضافة إلى قلة الفرص المتاحة لدراستها أكاديميًا محليًا. لكن بفضل الإصرار والمثابرة، واصلت التدريب المستمر، وتغلبت على هذه التحديات، حتى تمكنت من تحقيق حلمي والوصول إلى المستوى الفني الذي كنت أطمح إليه.
ما هو حلمكِ المستقبلي؟
حلمي المستقبلي هو أن تواصل رحلتي الموسيقية نموها على المستوى العالمي، وأن أكون مصدر إلهام لكل فتاة تحلم بالعزف على الآلات الموسيقية الكلاسيكية. كما أتمنى أن أساهم في نشر ثقافة الموسيقى الكلاسيكية في العالم العربي، وأن أكون جزءًا من حركة تعزز تقدير هذا الفن الجميل في منطقتنا.

أخيرًا، ما رسالتكِ لكل شخص يحلم بدخول عالم الموسيقى؟
رسالتي لكل شخص يحلم بدخول عالم الموسيقى هي أن الموسيقى عالم مليء بالجمال، لكنه يتطلب شغفًا، صبرًا، واجتهادًا. لا تستسلموا أبدًا أمام الصعاب، وابحثوا دائمًا عن الفرص لتعلم المزيد والتطور المستمر. فالعزف ليس مجرد مهارة تقنية، بل هو لغة تعبر عن الروح والمشاعر وتصل إلى أعماق القلب.
الانستغرام: maryam_cello