هنّ _ خاص
“هذا المقال جزء من سلسلة مقالات تأتي بالتعاون مع عيادة همسات السكون للصحة النفسية، حيث نناقش كل أسبوع قضايا تهم صحة المرأة النفسية وتوازنها الحياتي.”
تلعب الصحة النفسية للأم دورًا مركزيًا في رفاهية أطفالها، مما يجعل فهم العلاقة بين العمل وصحة الأم النفسية أمرًا بالغ الأهمية. ومع ذلك، لا يمكن اختزال هذه العلاقة في معادلة بسيطة بين العمل والبقاء في المنزل، حيث يعتبر العديد من الباحثين أن قرار عودة الأم للعمل بعد الإنجاب يمثل معضلة معقدة.
تشير الأبحاث إلى أن العامل الحاسم ليس طبيعة دور الأم، وإنما مدى توافقه مع رغباتها الشخصية. فقد كشفت دراسة أجراها “هولمز، إريكسون، وهيل” عام 2012 أن الأمهات اللواتي يعملن أو يبقين في المنزل لا تتأثر صحتهن النفسية بحالتهن الوظيفية بقدر ما تتأثر بتوافق هذا الوضع مع رغباتهن. فالأم التي ترغب في العمل لكنها مضطرة للبقاء في المنزل، أو التي تفضل رعاية أطفالها ولكن تجد نفسها مضطرة للعمل، تكون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
جودة الوظيفة وتأثيرها على الصحة النفسية
كما أظهرت دراسات أخرى أن جودة الوظيفة تلعب دورًا رئيسيًا في التأثير على الصحة النفسية. فالأمهات اللاتي يعملن في وظائف ذات بيئة سلبية أو غير مرضية يعانين من معدلات أعلى من الاكتئاب، حتى لو كنّ يفضلن العمل. أما من يتمتعن بوظائف ذات جودة عالية، فيكنّ أقل عرضة للاضطرابات النفسية، حتى لو كنّ يفضلن البقاء في المنزل.

الدعم الاجتماعي مفتاح التوازن
في عالم مثالي، تستطيع كل أم أن تعيش وفقًا لما يناسبها بين العمل والحياة الأسرية. لكن الواقع مختلف، حيث قد تفرض الظروف الاقتصادية أو الصحية أو الاجتماعية تحديات تجعل تحقيق هذا التوازن أمرًا صعبًا. وهنا، يصبح الدعم الاجتماعي عنصرًا حاسمًا في مساعدة الأمهات على التكيف مع وضعهن الحالي وتقليل الضغوط النفسية المرتبطة بالأمومة.
تؤكد الأبحاث أن وجود شبكة دعم قوية يساعد الأمهات على تخفيف التوتر، كما ينعكس إيجابيًا على أسلوب تربيتهن لأطفالهن من خلال تعزيز الدفء العاطفي والقدرة على متابعة الأطفال بفعالية، مما يحسن من مهاراتهم الاجتماعية. وكما تقول الحكمة: “يحتاج الأمر إلى قرية لتربية طفل”، فإن مساعدة العائلة، الأصدقاء، الزوج، الأخصائيين النفسيين، والأطباء يمكن أن يسهم بشكل كبير في جعل رحلة الأمومة أكثر سلاسة ونجاحًا.
اتخاذ قرارات مدروسة
قرار البقاء في المنزل أو العودة إلى العمل بعد الإنجاب، أو حتى في مراحل لاحقة، هو قرار شخصي له تأثيرات عميقة على الأم وأسرتها. لذا، من الضروري أن يُتخذ بناءً على تفكير عميق ومعرفة كاملة بالخيارات المتاحة.
للمساعدة في اتخاذ القرار المناسب، يمكن للأم إعداد قائمة بالمزايا والعيوب، والتحدث مع زوجها بصراحة حول تطلعاتهما وأهدافهما، وتحديد أفضل مسار لحياة متوازنة تضمن لهما ولأطفالهما السعادة والاستقرار.
والأهم دوماً هو أن تجد كل أسرة ما يناسبها، دون الالتفات إلى معايير المجتمع أو مقارنات لا تعكس ظروفهم الفريدة، فلا يوجد نموذج واحد مثالي يناسب جميع الأمهات. لذا من الضروري أن يكون القرار متوافقًا مع الاحتياجات الشخصية والعائلية.
نورهان سخسوخ
أخصائية نفسية – عيادة همسات السكون للصحة النفسية