هنّ – خاص
مآثر بنت جابر الراشدية، شابة عمانية وفنانة تشكيلية طموحة، نجحت في تحويل تحديات مرض فقر الدم المنجلي إلى مصدر إلهام وإبداع. اكتشف أهلها إصابتها بالمرض وهي بعمر سنة واحدة، ورغم الصعوبات الصحية التي واجهتها منذ طفولتها، لم يتراجع طموحها. بفضل الدعم والحب الكبيرين من عائلتها، استطاعت مآثر مواجهة المرض بشجاعة وتحقيق أحلامها الفنية.
تبلغ مآثر من العمر 26 عامًا، وهي فنانة تشكيلية تقدم ورشات في الرسم والخط العربي. كما أنها صاحبة متجر مآثر جاليري، الذي أُطلق بدعم من الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية وشركة تنمية نفط عمان.
مآثر، حدثينا عن رحلتك مع مرض فقر الدم المنجلي منذ طفولتك. كيف أثر هذا المرض على حياتك اليومية؟
بدأت رحلتي مع مرض فقر الدم المنجلي منذ أن كنت طفلة صغيرة، حيث تم اكتشاف إصابتي بالمرض عندما كنت في عمر السنة. لم يؤثر المرض بشكل كبير على حياتي اليومية، وذلك بفضل العائلة المحيطة بي التي كانت مليئة بالطموح والتفاؤل. كانوا دائمًا يؤمنون بقدرتي على مواجهة المرض والتغلب على الصعاب، وسعوا لدعمي وتشجيعي لتحقيق أحلامي وأمنياتي.
ما هي التحديات الصحية أو النفسية التي واجهتها خلال هذه الرحلة، وكيف تمكنت من التغلب عليها؟
واجهت خلال رحلتي العديد من التحديات النفسية، حيث كان هناك من يشكك في قدرتي على استكمال دراستي سواء في المدرسة أو الجامعة، معتقدين أنني كفتاة مصابة بمرض فقر الدم المنجلي لن أستطيع تحقيق أحلامي. لكن، بفضل الله وبدعم من والدتي التي كانت دائماً تشجعني وتؤمن بي، تمكنت من تجاوز هذه التحديات. أكملت دراستي بنجاح، وأصبحت اليوم أدير مشروعي الخاص مآثر جاليري، الذي يعكس شغفي بالفن ويحقق لي طموحاتي.
الدعم الأسري والمجتمعي له دور كبير في حياة المرضى. كيف دعمتك عائلتك ومن حولك خلال مسيرتك مع المرض؟
الدعم الأسري كان له دور جوهري في مسيرتي مع مرض فقر الدم المنجلي. عائلتي تتميز بروح الكفاح والإصرار على تحقيق الطموحات، وكانت والدتي دائماً الداعم الأساسي لي، ترى فيَّ فتاة قوية قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق النجاح. كانت توجهني دائماً لأكون الأفضل، مؤمنة بقدرتي على التغلب على الصعاب.
أما الدعم المجتمعي، فقد كان له أثر كبير بفضل الله. بدأت بالظهور من خلال الرسم على خشبة المسرح في العديد من الفعاليات المجتمعية، مما أتاح لي التعرف على الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية. كان دعمهم لي لا يقدر بثمن، خاصة من خلال مشروع تمكين المرضى الذي تشرف عليه الجمعية بدعم من شركة تنمية نفط عمان. هذا الدعم ساعدني في تحقيق أحد أحلامي وهو توسيع مشروع الرسم الخاص بي. اليوم، أمتلك مآثر جاليري، مرسمي الخاص الذي يقدم خدمات الرسم والخط العربي، بالإضافة إلى الرسم المباشر في المناسبات المختلفة.
هل هناك لحظات معينة شكلت نقطة تحول في تعاملك مع مرض فقر الدم المنجلي؟
نعم، هناك لحظات معينة شكلت نقطة تحول كبيرة في تعاملي مع مرض فقر الدم المنجلي. عندما كنت أصاب بنوبات الألم وأتلقى العلاج في مستشفى الجامعة، كانت والدتي دائماً تحضر لي أدوات الرسم. خلال تلك الأوقات، كان بعض المرضى يرون فيَّ قدوة لهم، فكانوا يقولون لي: “رغم الألم، أنتِ مبدعة وطموحة.” هذا الدعم كان له أثر كبير عليّ، حيث بدأ بعضهم يكتشف مواهبهم الخاصة بفضل تشجيعي لهم.
أيضاً، كلمات الممرضات كانت مصدر إلهام لي، فقد كنَّ يصفنني بالمبدعة والإنسانة القوية التي تُعد قدوة للآخرين. كانوا يطلبون مني رسم لوحات لأولادهم وأصدقائهم خلال فترة تواجدي بينهم. هذه التعليقات والدعم من المرضى والممرضات شكلت دافعاً معنوياً ونفسياً قوياً لي، مما ساهم في تشكيل نقطة انطلاقة جديدة في حياتي، حيث أدركت أنني أستطيع تحويل تجربتي مع المرض إلى مصدر إلهام وقوة للآخرين.
ما هي النصائح التي تقدمينها للمرضى الآخرين ليعيشوا حياة مليئة بالإيجابية رغم التحديات الصحية؟
النصيحة التي أود تقديمها للمرضى الآخرين هي أن المرض ليس بالضرورة نهاية، بل هو امتحان من الله تعالى ليرى مدى صبرنا وقدرتنا على التحمل. يجب أن نرى في المرض فرصة للنمو الشخصي والروحي، فهو يعزز من قوتنا وإيماننا ويعلمنا الصبر والشجاعة.
الحياة مليئة بالتحديات، ولكنها أيضاً مليئة بالأمل. تذكر أن لكل ساعٍ ما سعى، ولكل داعٍ ما دعا، وأن الله سبحانه وتعالى لا يخذل عباده المخلصين. مع كل دعوة، ومع كل أمنية، قد تكون المعجزة الربانية قادمة إليك، فلا تتوقف عن السعي والمثابرة.
استبشر خيراً في كل خطوة تخطوها، فأنت في رعاية الله، وما بعد لطفه لا ينبغي أن تخشاه. مهما كانت الصعوبات، تذكر أن لديك القدرة على التغلب عليها، فقط ابدأ وانطلق، وتحدَّ الصعب بثقة. بعد الألم، يأتي الأمل والعوض بإذن الله.
كيف ساعدك الرسم والخط العربي في التعبير عن مشاعرك وتجاوز صعوبات المرض؟
الرسم والخط العربي كانا بمثابة متنفس لي منذ الصغر، حيث بدأت كموهبة عادية، ولكن مع مرور الوقت أصبحا جزءاً مهماً في حياتي اليومية. كانا وسيلة لي للتعبير عن مشاعري، خاصةً في أوقات الألم. في ظل نوبات المرض، كانت اللوحات التي أخلقها والكلمات التي أكتبها تشغلني وتبعدني عن التفكير في الألم والضعف. الرسم والخط العربي منحاني الفرصة للهروب من الصعوبات التي أواجهها جسدياً، وعندما أغرق في هذه الفنون، أجد نفسي في حالة من الهدوء والتوازن النفسي، مما يساعدني على التكيف مع الصعوبات والمضي قدماً في حياتي.
ما هي الرسائل التي تحاولين إيصالها من خلال أعمالك الفنية؟
من خلال أعمالي الفنية، أحاول أن أنقل رسائل تتعلق بالصبر والقوة والتحدي. أؤمن بأن الفن هو وسيلة للتعبير عن الإيجابية وعدم الاستسلام أمام المصاعب. كما أريد أن أظهر للجميع أن الحياة تستحق أن نحبها ونتأمل في جمالها، مهما كانت التحديات التي نواجهها. رسالتي هي أن لا نركز على المرض أو الصعوبات، بل أن نعيش اللحظة بكل ما فيها من أمل وحب للحياة، فكل تحدي يمكن أن يكون فرصة لنمو الشخص وتطوره.
كيف ساهم “مآثر جاليري” في تحقيق طموحاتك الفنية والشخصية؟
ساهم “مآثر جاليري” في تحقيق العديد من الطموحات الفنية والشخصية التي لا يمكنني أن أصفها بكلمات فقط. الشكر لا يمكن أن يفي حق كل من دعم مسيرتي، ولكن من خلال هذا المشروع تمكنت من تحقيق الاستقلالية والاعتماد على النفس في تطوير مهارات الرسم وابتكار أساليب جديدة. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الجاليري مصدر رزق لي ولعائلتي، وهو ما أعتبره نعمة من الله تعالى. لا يمكنني أن أنسى دور الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية وشركة تنمية نفط عمان، اللتين كان لهما دور كبير في دعم طموحاتي ومساعدتي في تحقيق مخططاتي المستقبلية التي كانت في البداية مجرد أحلام، والآن أصبحت واقعًا بفضل الله وفضل دعمهم المستمر.
الدعم الذي حصلتِ عليه من الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية وشركة تنمية نفط عمان كان له أثر كبير. كيف وظفتِ هذا الدعم لخدمة الفن والمجتمع؟
الدعم الذي تلقيته من الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية وشركة تنمية نفط عمان كان له أثر بالغ في مسيرتي الفنية. استطعت من خلال هذا الدعم تقديم ورشات رسم للمرضى الذين يهتمون بالفن، بالإضافة إلى مساندتهم في تحقيق أحلامهم وإعطائهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال الإبداع. كما حرصت على الوقوف إلى جانب الأطفال الذين يعانون من الأمراض المزمنة، وتخصيص ركن خاص بأعمالهم الفنية في “مآثر جاليري”، ليتمكن الجميع من التعرف عليها. هذا ساعد على زيادة الوعي حول التحديات التي يواجهها المرضى، وأتاح لهم فرصة لعرض مواهبهم، مما ساهم في دمج الفن مع رسالة إنسانية تهدف لدعم المجتمع والمرضى على حد سواء.
باعتبارك نموذجًا ملهمًا، ما هي الرسالة التي تودين توجيهها للمرضى الذين يشعرون بالإحباط بسبب مرضهم؟
رسالتي لكل مريض يشعر بالإحباط: ستنجح، وستفرح، وستحقق حلمك. لا تيأس أبدًا، كن واثقًا بنفسك مهما كانت التحديات. أنت قادر على تحقيق أحلامك وأمانيك، فقط عليك أن تؤمن بنفسك وتستمر في السعي. لا تدع الألم يهزمك أو يجعلك تشعر بالضعف. القوة تكمن بداخلك، وكل ما عليك فعله هو أن تبدأ الآن. هناك حلم في قلبك يجب أن يتحقق، والمستقبل يحمل لك كل ما تتمناه بإذن الله.
هل لديك خطط مستقبلية تهدف إلى توسيع دور الفن في دعم المرضى أو تعزيز وعي المجتمع بأمراض الدم الوراثية؟
نعم، لدي خطط مستقبلية لتوسيع دور الفن في دعم المرضى وتعزيز وعي المجتمع بأمراض الدم الوراثية. أسعى لتوسيع مآثر جاليري ليصبح له صدى واسع بإذن الله، ليكون مركزًا ليس فقط للفن والإبداع، بل أيضًا للمساهمة في نشر الوعي وتعريف المجتمع بتحديات المرضى. أرغب في أن يكون الجاليري منصة لدعم المرضى والفنانين الذين يواجهون تحديات صحية، ويمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم وتحقيق طموحاتهم.
كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة لتعزيز الصحة النفسية والجسدية للمرضى، بناءً على تجربتك الشخصية؟
الفن، وبالأخص الرسم، يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتعزيز الصحة النفسية والجسدية للمرضى بناءً على تجربتي الشخصية. الألوان تُعتبر الحياة والإيجابية في الرسم، فهي تساعد على تفريغ الطاقة السلبية وتحويلها إلى طاقة إيجابية. الرسم هو وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة بصرية، مما يمنح الشخص فرصة للتواصل مع نفسه ومع الآخرين بشكل غير لفظي. من خلال تجربتي، اكتشفت أن الرسم يمكن أن يكون نوعًا من أنواع العلاج، حيث يساعد على تخفيف التوتر والقلق ويمنح الشخص شعورًا بالراحة والتركيز بعيدًا عن الألم والضغوط اليومية.
إذا طلبنا منك تلخيص رحلتك مع المرض والفن في جملة واحدة، ماذا ستقولين؟
رحلتي مع المرض والفن كانت رحلة من العتمة إلى النور، حيث لا بعد المطر إلا الزهور، ولا بعد الصبر إلا الفرج بإذن الله.
ما هي أحلامك وطموحاتك المستقبلية، سواء على المستوى الشخصي أو في مجال الفن؟
أحلامي وطموحاتي المستقبلية تتجه نحو العالمية بإذن الله، وأتطلع لتحقيق حلم والدي رحمه الله بأن أكون فنانة تشكيلية مميزة ومعروفة عالميًا. كما أطمح لتحقيق حلم والدتي بأن أصبح معلمة للفنون الجميلة في المستقبل القريب، وأن أساهم في تطوير هذا المجال وتعليم الأجيال القادمة.
الانستغرام: maather.gallery و أيضا maather.artist
انستغرام جمعية أمراض الدم الوراثية: Ohbda_om@