هنَ _ خاص
بعد ولادة تلك الأم لطفلها الأول، عانت مثل العديد من الأمهات الجدد، من اكتئاب ما بعد الولادة. ولكن حتى مع تقدم طفلها في السن، لم تختف الحالة كثيرا! بل وفي بعض الأحيان تصبح الحالة مزمنة، ويمكن للأمهات اللاتي توقعن أن ينتهي الأمر مع تقدم أطفالهن في العمر أن يكافحن للعثور على علاجات فعالة.
بطبيعة الحال، يعد القلق والاكتئاب من المضاعفات الشائعة للأمهات بعد الولادة، خاصة وان اكتئاب ما بعد الولادة هو أول نوبة اكتئاب لديهم. ولكن في حين تتحسن غالبية حالات اضطراب اكتئاب ما بعد الولادة بسرعة مع الوقت والعلاج المناسب، فإن نسبة ليست بالبسيطة من النساء المشخصات، يصبح اضطراب اكتئاب ما بعد الولادة حالة مدى الحياة! لذلك سنجد أن معظم الأمهات الجدد -ان استطعت أطلق عليهن ذلك- يعانين من الكآبة النفاسية بعد الولادة. وأعراضها عادة تبدأ بتقلب المزاج، ونوبات البكاء، وانخفاض التركيز، والحزن. وهذه الكآبة النفاسية عادة ما تتطور في غضون أول يومين إلى ثلاثة أيام بعد الولادة وقد تستمر لمدة تصل إلى أسبوعين.
وبالتالي يجب هنا أن نعي بأن شدة وطول عمر اكتئاب ما بعد الولادة، يتوقفان على مجموعة من العوامل: كـ مدى سرعة تشخيصه وعلاجه، وحساسية المرأة للتحولات الهرمونية للحمل وفترة ما بعد الولادة، وكذلك الضغوطات الإجتماعية مثل المصاعب المالية، وتجربة ولادة مؤلمة. وبالطبع، قد تكون بعض النساء عرضة وراثيا للاكتئاب أو اضطرابات مزاجية أخرى. لكن هناك شيء واحد مؤكد: وهو أنه كلما طالت مدة الحالة بعد الولادة، زادت احتمالية إصابة المرأة بالاكتئاب على المدى الطويل.
وهذا يقودنا إلى أن نتفهم بأن الأم بعد حملها الأول -على سبيل المثال- وولادة طفلها الثاني، قد تتمكن من التعرف على علامات اكتئابها، والتي قد تتصاعد لتختلف عن الكآبة النفاسية إلى -اكتئاب ما بعد الولادة- المعروف، حيث العلامات والأعراض تكون أكثر حدة وتستمر لفترة أطول، بل وقد تتداخل في النهاية مع القدرة على رعاية الطفل والتعامل مع المهام اليومية الأخرى، إضافة إلى قلقها الشديد، ونوبات الذعر، لتنتهي بأفكار لإيذاء نفسها أو طفلها. وللأسف حتى مع هذه المعرفة والخبرة، ستدرك الأم أنه من الصعب أحيانا تمييز المشاعر التي كانت جزءا من مرضها النفسي وما هي ردود الفعل الطبيعية لتحديات الأمومة.
وواقعيا من الصعب جدا على أي شخص، حتى لو كان مدربا، أن يكون قادرا على التمييز بين الإحباطات المنتظمة والتقلبات الهرمونية واضطراب المزاج. فمثلا، التغييرات في النوم أو الشهية هي علامات نموذجية للاكتئاب، ولكن مع عادات نوم المولود غير المنتظمة، فإن الأم الجديدة تعاني بالفعل من اضطراب نومها.
اسعي لطلب العلاج
لذلك عندما ننظر بعمق أكبر-لإكتئاب ما بعد الولادة- سنعي أن السبب الأهم لاستمرار المرض هو أنه لا يتم علاجه. وعلى الرغم من أن المرأة قد تدرك أن لديها أعراضا تهتم بها أو غير معتادة بالنسبة لها، غالبا ما يكون هنالك خجل بشأن طلب العلاج أو عدم معرفة أنه شيء يحتاج إلى العلاج. وهنا بلا شك لا ينبغي أن تخجل الأم من إخبار من حولها بأنها تعاني!
وحقيقة يجب أن تعي الأم، ان الاضطراب النفسي ما بعد الولادة، لديه دورة علاجية مماثلة لتلك الخاصة بأي اضطراب اكتئابي آخر، ويمكن أن تشمل الأدوية أو العلاج أو كليهما. خصوصا وأن هذا الإدراك يجعلها تعي أنها حالة طبية مثل أي شيء آخر وجزما هذا سيشعرها بأنها أكثر طبيعية. ولعله من المريح جدا إخبار الشريك أو العائلة والاعتماد عليها. ناهيك أن قضاء الوقت مع من تحبهم سيزيد من الشعور بالراحة. اضافة إلى النوم المناسب، على الرغم من صعوبة هذا الأمر مع المولود الجديد! من ناحية أخرى يجب ألا تنسى الأم وجبات الطعام فهي أولوية، فما تأكله يؤثر بطبيعة الحال على مزاجها. كما أن الخروج من المنزل سيفيد الأم كثيرا خاصة مع استنشاق الهواء النقي، وتجديد المزاج. ومع ذلك كله، أجزم أن هذه النصائح ستساعد، لكنها لن تحل محل الإحالة إلى الاختصاصي والعلاج المكثف إذا لزم الأمر!
ختاما، أيتها الأم يمكن أن يجعلك اكتئاب ما بعد الولادة وحيدة، لكن بلا شك التعرف المبكر على حالتك والعلاج سيوفران أفضل النتائج لك كأم ولطفلك أيضا. فلا تخجلي، واشرحي مشاعرك واحصلي على المساعدة … لطفلك، ولكن أيضا لأجلك!
د. يوسف بن علي الملا
طبيب -مبتكر وكاتب طبي.
Twitter:@DrYousufAlmull3