هنّ – خاص
على مدى ثلاثة عقود، نسجت رضية العبيدانية قصة استثنائية على أوتار الكمان، حيث جمعت بين الموهبة والتفاني لتصبح واحدة من أبرز الموسيقيات في السلطنة. منذ أول نغمة عزفتها عام 1994، وحتى مشاركاتها العالمية في أرقى المسارح، أثبتت أن الموسيقى لغة لا تعرف الحدود. الليلة، نفتح معها صفحات رحلتها الفنية المليئة بالإبداع، ونستمع لحكايات تُروى على إيقاع الألحان.
بدايةً، حدثينا عن رحلتك مع آلة الكمان، ما الذي جذبك لهذه الآلة وكيف كانت سنوات تدريبك الأولى؟
بدأت رحلتي مع آلة الكمان في عام 1994، حيث أسرني جمال هذه الآلة وقدرتها الفريدة على التعبير عن مشاعر الإنسان بكل عمق. وجدت فيها وسيلة مثالية لتجسيد الأحاسيس الإنسانية عبر أنغامها الرقيقة. استغرقت سنوات تدريبي الأولى حوالي أربع سنوات، حيث انصب تركيزي على فهم الآلة بشكل كامل، وتعلم قراءة النوتة الموسيقية، والتعمق في قواعد الموسيقى الشرقية التي أضافت بعدًا خاصًا لأدائي.
كيف تصفين تطور تجربتك الموسيقية منذ عام 1994 وحتى الآن؟ وما الذي تغير في أسلوبك أو طريقة تقديمك للموسيقى؟
الحمد لله، خلال 31 عامًا من العزف على آلة الكمان، كان التطور في أدائي ملحوظًا وكبيرًا. الكمان ليس مجرد آلة بالنسبة لي؛ بل أعتبرها جزءًا مني، كأنها إحدى بناتي التي أعتني بها وأغذيها بحبي وشغفي. على مر السنين، تطورت تجربتي الموسيقية لتشمل أساليب متنوعة في العزف، حيث حرصت على المزج بين الطرب الأصيل والقديم، الذي يحمل روح التراث، وبين الأغاني الخليجية المعاصرة التي تضيف لمسة حيوية إلى العروض. هذه الرحلة منحتني فرصة لإعادة اكتشاف الموسيقى وتجديد أسلوبي باستمرار.

بعد مسيرة استمرت 30 عامًا، ما هي أكثر اللحظات التي شعرتِ فيها بالفخر كموسيقية عمانية؟
بعد مسيرة حافلة استمرت 30 عامًا، يمكنني القول إن أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالفخر كامرأة عمانية وموسيقية كانت أثناء مشاركاتي في المحافل الدولية. تمثيل عُمان على مسارح عالمية وعزف ألحان تعكس هويتنا وثقافتنا كان دائمًا مصدر سعادة واعتزاز بالنسبة لي. كل مرة أُقدّم فيها الموسيقى العمانية للعالم، أشعر بمسؤولية كبيرة وفرحة غامرة لأنني أُسهم في إبراز تراثنا الفني العريق على الساحة الدولية.
عزفتِ في دول عديدة حول العالم، كيف تؤثر ثقافة البلد أو الجمهور على أدائك أثناء الحفل؟
عزف الموسيقى في دول عديدة كان تجربة فريدة، خاصة في الدول الأوروبية التي يتميز جمهورها بشغف كبير للتعرف على ثقافات جديدة. هذا الشغف ألهمني لأقدم شيئًا مميزًا يعكس هويتنا العمانية. كنت أحرص على إبراز الموروث العماني التقليدي من خلال العزف، سواء من خلال اختيار الألحان أو الإيقاعات التي تعكس أجواء تراثنا. تفاعل الجمهور مع هذه التفاصيل الثقافية كان دائمًا يعزز أدائي ويشعرني بالمسؤولية في تمثيل وطني بشكل يليق به.
ما الدور الذي لعبته عائلتك ومحيطك في دعم مسيرتك الفنية؟
عائلتي كانت الركيزة الأساسية في مسيرتي الفنية، فدعمهم المتواصل وإيمانهم بموهبتي منذ البداية كان له الأثر الأكبر في وصولي لما أنا عليه اليوم. كانوا دائمًا يمدونني بالطاقة الإيجابية ويشجعونني على تجاوز أي عقبات. بالإضافة إلى ذلك، كان لمحيطي وأصدقائي دور كبير في دعمي من خلال حضورهم وتشجيعهم المستمر، سواء في المناسبات الفنية أو خلال التدريبات. هذا الدعم الجماعي منحني القوة والإصرار للاستمرار والتطور في هذا المجال.

شاركت في احتفال استقبال جلالة السلطان هيثم في أبوظبي، ما الذي يعنيه لكِ أن تكوني جزءًا من هذه اللحظات الوطنية؟
أن أكون جزءًا من لحظة وطنية عظيمة كاستقبال جلالة السلطان هيثم في أبوظبي هو شرف لا يمكن وصفه بالكلمات. كان شعور الفخر يملأ قلبي، ليس فقط لتمثيلي بلدي في مناسبة بهذا الحجم، ولكن أيضًا للتعبير عن التراث العماني من خلال الموسيقى. التجربة كانت مميزة للغاية، خاصة مع التعاون الجميل الذي جمعنا مع فرقة دبي. كان انسجامنا الفني وتبادل الخبرات لحظة رائعة تجسد روح الفن كجسر بين الثقافات والقلوب، وستظل هذه الذكرى محفورة في ذاكرتي كواحدة من أجمل المحطات في مسيرتي.
كيف تصفين شعورك عندما عزفتِ أول مرة في مناسبة دولية عام 1999 أمام الشيخ زايد رحمه الله؟
كانت مشاركتي الأولى في مناسبة دولية عام 1999 أمام الشيخ زايد، طيب الله ثراه، تجربة لا تُنسى بكل تفاصيلها. كانت لحظة مليئة بالرهبة والفخر، حيث شعرت بعظمة الحدث وأهمية المسؤولية التي نحملها كموسيقيين عمانيين نمثل بلدنا. العزف أمام شخصية بحجم الشيخ زايد، رحمه الله، أضاف عمقًا خاصًا للتجربة، وخاصة لما كان يتمتع به من تقدير للفن والثقافة. رغم مرور أكثر من 25 عامًا، لا تزال تلك اللحظات محفورة في ذاكرتي كأحد أجمل المحطات في حياتي المهنية، حيث كانت بداية لرحلة مليئة بالتحديات والإنجازات.
ما هي المشاركة التي لها الأثر الأكبر في نفسك؟
جميع مشاركاتي الدولية والمحلية تحمل لحظات مميزة لا تُنسى، لكن الأكثر تأثيرًا في نفسي كانت المشاركات التي عزفت فيها أمام السلطان قابوس، طيب الله ثراه. هذه اللحظات كانت مليئة بالهيبة والفخر، حيث شعرت بأنني جزء من تاريخ عمان العريق. كانت هذه المشاركات بمثابة تتويج لمسيرتي الفنية، لما تحمله من قيمة معنوية كبيرة، خاصة أن السلطان قابوس كان حريصًا على دعم الفن والثقافة العمانية. لا شك أن عزفي أمامه سيظل دائمًا في ذاكرتي كأثر عميق، حيث ارتبطت تلك اللحظات بالحب والاحترام الكبيرين.
ماذا يعني لكِ عزفك الأخير في دار الأوبرا المصرية خلال شهر ديسمبر 2024؟ وكيف تصفين أجواء الحفل؟
عزفي الأخير في دار الأوبرا المصرية كان لحظة غنية بالمعاني، فهي تُعد واحدة من أعرق وأهم المسارح في العالم العربي. الجمهور المصري يتمتع بذائقة فنية عالية ويميل إلى تقدير الفن الأصيل، مما جعل الأجواء في الحفل مشحونة بالحماس والإحساس العميق.

ما هي مشاريعك القادمة، وهل هناك خطط لتقديم أمسيات موسيقية أو إنتاج أعمال جديدة؟
أعمل حاليًا على تحضير أمسية موسيقية خاصة في رمضان، ستستمر لمدة أسبوع إن شاء الله. سأعلن قريبًا عن المكان الذي ستُقام فيه هذه الأمسية، وأتطلع إلى تقديم تجربة موسيقية فريدة تجمع بين العزف المميز وأجواء رمضان الروحانية. ستكون فرصة رائعة للجمهور للاستمتاع بموسيقى تعكس عمق الثقافة العمانية والعربية، وتتيح لهم فرصة الاستماع إلى مقطوعات موسيقية مميزة في جو من التأمل والسكينة.
ما هي نصيحتك للشباب العماني الشغوف بالموسيقى
نصيحتي للشباب العماني الشغوف بالموسيقى هي أن يتحلوا بالصبر ويستمروا في السعي وراء حلمهم. فالموسيقى بحر واسع لا ينتهي، وكل يوم نكتشف فيها شيئًا جديدًا. علينا أن نكون مستعدين للتعلم والتطور المستمر، بغض النظر عن العمر أو المرحلة التي نمر بها. الإصرار والاهتمام بالتفاصيل هما مفتاح النجاح في هذا المجال الجميل.
هل تتذكرين موقفًا طريفًا أو غير متوقع حدث أثناء عزفك، وكيف تعاملتِ معه؟
موقف غير متوقع حدث معي كان في حفل زفاف، في لحظة عزفي الزفة لدخول العروس تحركت قطعة من الكمان واضطررت للتوقف لفترة قصيرة لإعادة القطعة، مما جعل العروس تنتظر لمدة 10 دقائق.
هل لديكِ طقوس أو روتين خاص قبل كل حفل؟ وكيف تستعدين نفسيًا وبدنيًا للعروض الكبيرة؟
قبل كل حفل، روتيني يتضمن تحضير المقطوعات الموسيقية بشكل دقيق، خاصة إذا كان الحفل يتطلب عزفًا منفردًا. أحرص على التركيز على التفاصيل لضمان تقديم أفضل أداء.
ما هو طموحك الأكبر كموسيقية عمانية، وما الذي تتمنين تحقيقه في المستقبل؟
طموحي كعازفة موسيقية عمانية هو الوصول إلى العالمية، حيث أسعى لإبراز الفن العماني والعربي في الدول الغربية، مع الحرص على تقديمه بأعلى مستوى من الإبداع والاحترافية.
كلمة أخيرة تودين توجيهها لجمهورك ومحبي الموسيقى الذين يتابعون مسيرتك بشغف؟
كلمتي الأخيرة لجمهوري ومحبي الموسيقى هي أن حبكم ودعمكم لي هو السبب الأكبر في استمراري كعازفة. أنتم مصدر إلهامي وتشجيعي، وأعدكم بمواصلة تقديم أجمل الألحان والمقطوعات التي تليق بتوقعاتكم وتلبي شغفكم بالموسيقى.